“كانت لدى الولايات المتحدة رغبة كبيرة في الذهاب إلى سورية وتحقيق شيء ملموس” قال أوباما، وتساءل: “لماذا لا يقوم العرب بالقتال ضد الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان التي ارتكبت هناك؟”. وأكد أنه على استعداد أن يبعث برسالة إليهم حول التزامات الولايات المتحدة بالعمل معهم وضمان عدم تعرضهم للغزو الخارجي.
هذه الفقرات مقتبسة من مقابلة أوباما مع الصحافي توماس فريدمان، تناولتها تحليلات كثيرة، تراوحت بين الحد الأقصى بأن أمريكا غيرت سياستها نحو الحرب الدائرة في سورية، وتطالب العرب بالتدخل وسوف تدعمهم بكل امكانياتها. أما الحد الأدنى، فتصريحه إن لم يكن زلة لسان، فمن قبيل الهذر الذي يطلقه الرئيس الأمريكي بين فترة وأخرى، اعتاد عليه العرب، ولم يعودوا يقيمون له وزناً. فسابقة الكيماوي كانت أكبر دليل على تنصله من استحقاق يمليه عليه الخط الأحمر الذي لوح به مراراً، والأكثر منه الدافع الإنساني والأخلاقي. من جانب آخر، لا يحتاج أوباما إلى صحافي كي يوصل رسالته الهامة إلى السعودية، فالأقنية الدبلوماسية والسرية بينهما مفتوحة.
الأمر الذي ينبغي الإشارة اليه كي لا نشتط في المزيد من التكهنات هو أن أوباما ما زال في محطة الاتفاق النووي مع إيران وكل ما يصدر عنه هدفه المرشد خامنئي، فما قدمه له من محفزات على التوقيع استنفد، بينما ثبات إيران على ما اتُفق عليه مشكوك فيه، على الرغم من حاجتها الماسة إليه. لذلك لابد من محفزات أخرى، ما أملى على أوباما رفع منسوب تأثير “عاصفة الحزم” وتأييدها، مع حض التحالف على التوجه إلى سورية، مدعوماً بدور أمريكي فعال، لا يقل عن القيادة من الخلف.
إن كان من معنى لهذا التصعيد، فهو تحذير إيران من الاخلال بتوقيع الاتفاق النهائي في حزيران حسب موعده المحدد، أو وضع عراقيل، مع العلم أن ما يهدد به، من الممكن التراجع عنه دون اطلاع من توجه إليهم به، فهو ليس أكثر من مساومة.
سرعان ما استجاب الإيرانيون لرسالة اوباما على لسان خامنئي خلال استقباله حشداً من قراء وشعراء مراثي ومناقب اهل البيت، وذلك بتهديد السعودية ومعها أمريكا بالهزيمة في اليمن. بالنسبة إلى المرشد الذي فهم الرسالة، لا يقصد اليمن في تهديده وإنما سورية، وإذا كان لم يذكرها فلأن إيران لا تساوم على وجودها السوري، الموقف الإيراني حاسم بهذا الخصوص.
إذا كان هناك موقف أمريكي جديد، وهو غير جديد، فزج الأزمة السورية في الاتفاق النووي من قبيل العمل على إنجاحه. ما يدعو دول المنطقة إلى عدم الالتفات إلى تطمينات أوباما ولا تحريضه، بل إلى وضع خلافاتها جانباً، والعمل على توحيد العمل العربي. تلك بداية لعمل جدير أن يحل العرب بواسطته مشاكلهم وأزماتهم من دون تدخل أجنبي، لا يقدم بقدر ما يؤخر.
تبقى الأزمة السورية هي التحدي الأكبر لأي جهد عربي، فما طرحه الغرب حتى الآن، ليس على مستوى الأزمة، إن كان ما يجري أزمة. هذا التعريف الذي يستعمله الغرب تجاوزه الواقع، وبات تصحيح مسار المنطقة هو المطلوب. أي انشاء دول ديمقراطية مدنية في بلدان الربيع العربي، وإحلال دولة القانون فيها. عدا هذا لا جدوى من عاصفة الحزم إلا في تأبيد المنطقة في متاهاتها المستحكمة بين مناورات إيران وروسيا وامريكا. بالإشارة إلى الجهد الروسي، وتشهد عليه اجتماعات موسكو، أقل ما يوصف به أنه مخز للكرملين الذي يبحث عن حل بإضاعة الوقت، فاجتماع موسكو لا يعدو أكثر من منتدى يتبادل فيه المجتمعون عدم الفهم، ما يسمح للنظام بالتطاول والعجرفة والصلف والكذب، أكبر دليل عليه قول ممثل النظام: ننتظر من شركائنا أفعالاً ترقى للمسؤولية الوطنية… هذا في اليوم الثالث لـ”موسكو2″. فأي تقدم هذا، وإلى أين بلغ الانكار بالنظام، وكأن القاء البراميل المتفجرة على الأهالي، فعل من أفعال الاحساس بالمسؤولية الوطنية.
سورية مريضة جدا، وبحاجة قصوى الى من يساعدها، بينما هي مادة للمساومة والتنازلات. روسيا التي تدعي العمل على انقاذها من محنتها تقف في صف جزاريها وناهبيها. وزير خارجيتها أكثر من يكذب باسمها، ما أسهم في تعطيل الحل طوال أربع سنوات برفع معدلات القتل وتزويد النظام بالسلاح والذخائر.
لا جدوى من المؤتمرات، أما على الأرض فالوضع أسوأ من أن يوصف.
-
المصدر :
- المدن