كلما تقدم الوقت، تصبح الأزمة السورية بيد السوريين، فالدول الإقليمية على الرغم من ارتفاع دعمها للفصائل المعارضة المقاتلة، بدأت تضع مسافة بينها وبينهم، علق عليها مراقبون؛ بعد “عاصفة الحزم”، لم تعد سورية أولوية بالنسبة للسعودية، الجهود منصبة على تحقيق الاستقرار في اليمن، قبل المزيد من التورط في الحرب السورية، نعم لتقديم الدعم، لكن من بعيد. كذلك بلدان الخليج بعد الانتصارات المتتالية للمعارضة، اطمأنوا إلى انهم حققوا تقدماً يسمح لهم بتأمل الإنجازات الحاصلة ومدى تأثيرها في ميادين القتال، لم يعد هناك ما يستعجلون عليه، بالوسع الانتظار، طالما أن الهدف دفع النظام رغماً عنه إلى الحوار مع المعارضة.

من جانب النظام وداعميه الإقليميين، إيران وحزب الله، اكتفت الدولة الإسلامية بتأييد النظام، ومتابعة ارسال الأفغان الشيعة الذين دأبت على تدريبهم طوال العامين الفائتين، ويبدو أنه من دون جدوى كبيرة، فمن حارب منهم وقع بين اسير وقتيل، ومهما فعلوا لن يحولوا مجرى العمليات. اما حزب الله، فلديه معركة القلمون حشد لها ما استطاع من رجال وذخيرة، وبمقدار ما هو عازم عليها، متخوف منها، إن خسرها فلا قيامة للحزب في لبنان، ولا للنظام في سورية. وكما يبدو في الأفق، مع بداياتها الضارية والتضارب في المعلومات، يجهد حزب الله إلى الثبات على الأرض، والتقدم ببطء مع كثافة نارية كبيرة، يسعى ألا تكون خسائره في الأرواح جسيمة، بالتالي لن يكون انتصاره كاملاً. أما في الجبهات الأخرى فالنظام سيحاول إنقاذ بعض القطعات العسكرية من السقوط. لذلك كان ظهور رأس النظام ورأس المقاومة ضرورياً لشد ازر المقاتلين والموالين، فالمقاتلون عليهم الصمود والقتال، لئلا يشيع انكسارهم المخاوف في الداخل. أما الموالون فلم تترك الخطابات أثراً فيهم سوى أنها اعداد للنهاية المرتقبة بمعنويات مرتفعة. خيارات النظام باتت خيارات إيران، التي ترى في سقوطه، سقوط حزب الله، وبالتالي سقوط “محور الممانعة” والاحلام الإمبراطورية.

إن الإصرار على أن النظام السوري لن يسقط، مجرد دعاية، إذ ليس مطروحا اسقاطه، ولا الدخول الى مناطقه في الساحل، تلك خطوط حمراء بالنسبة لفصائل المعارضة. في باقي المناطق الأمر عائد لموازين القوى في جبهات القتال في الشمال والجنوب وايضاً في القلمون. العمليات الأخيرة رجحت دفع الأطراف نحو الحل السياسي، وقد بدأ النظام يدرك أن هذه الجولات إن خسرها، ستكون حاسمة باتجاه الهزيمة المرة في جنيف، وما يرجوه هو اللعب على الزمن، رياضته الأثيرة في كسب الوقت، قد يأتي ظرف يساعدن على تأجيل النهاية، بينما يطمح إلى إبطالها، وربما العودة من الصفر. لكن الوقت الذي استهلك أكثر من مرة، سيضطره إلى القيام بتحركات لا تقل عن تراجعات، سيجهد في أن تكون محدودة، وتنازلات تبدو أنها رص للصفوف، ما هي إلا الزج بجنود شبان صغار في السن لم يستوفوا تدريباتهم، وسوقهم عنوة إلى حرب هم مجبرون منها، بالتوازي مع بعض الألاعيب مخابراتية، كذلك الأسوأ الذي لابد أن يحصل، وهو التضحية بعدة مئات من الضباط والجنود قبل الاستسلام لمائدة المفاوضات.

تراجع تأثير بلدان الجوار الإقليمية، سمح لقوى في الداخل السوري بالتحرك بعد طول جمود، على أنها تمثل جانباً من المعارضة السورية الداخلية التي غيبها النظام، يمثلها “التيار الوطني الديموقراطي” على رأسه وزير الاعلام السابق محمد سلمان، مقترحاً “خريطة طريق لحل الأزمة”، تضمنت عقد مؤتمر وطني بمشاركة جميع الأطياف السورية في داخل البلاد وخارجها، إضافة إلى “المعارضة العسكرية المعتدلة” ووفد يمثل الحكومة السورية. وتحدد الخطة عدداً من الخطوات بينها إطلاق مرحلة انتقالية لمدة سنتين. اللافت، أن الخطة لم تتضمن أي إشارة إلى مصير الرئيس. هذا من نتائج المعارك الخاسرة الأخيرة للنظام.

هل سيقود الرئيس المفاوضات من مكمنه الدمشقي، أم سيغادر البلد مع بطانته الملوثة أيديهم بدماء السوريين، ويترك المفاوضات المذلة لمن بقي من جماعته؟ إن كان فعلى من سيتولى التفاوض، أن يشكل وفداً أكثر تواضعاً من الوفود التي سبقته، والأفضل أن يتحلوا بالواقعية، فالعجرفة لم تعد مجدية.