الأسبوع الماضي شهد استعراضاً متنوعاً ومروعاً للتعذيب والقتل، لم يتميز فيه “داعش” وحده، شاركه جنود النظام السوري، كذلك دروز مؤيدون لنظام الممانعة، وأيضاً أسهم سجانو سجن “رومية” لدى الجار اللبناني بنصيب منه، ومن العراق الشقيق مسلحو الحشد الشعبي.
حسب المعتاد، حاز داعش قصب السبق، سواء من ناحية التصوير، أو القدرة على التأثير، فهو دائماً ما يتفوق على جميع القتلة، بقتل لا نظير له، ولا أحد يضاهيه. هذه المرة بزّ ما قدمه سابقاً، وتفوق على نفسه، وقدم مشاهد ثلاثة تفنن فيها بقتل مجموعات ثلاث من المعتقلين سواء بوضعهم في سيارة، واستهدافها بقذيفة آربى جى، أو في قفص حديدي واغراقهم في الماء، إلى ربط مجموعة أخرى بأحزمة ناسفة حول أعناقهم، لتتطاير رؤوسهم في الفضاء.
احتوى الاستعراض ايضاً على جنود من النظام السوري يعذبون ولداَ في الرابعة عشرة من عمره، يحمل تسجيلاً على هاتفه الجوال للقاشوش منشد الثورة، وهي جريمة وجدها الجنود لا تغتفر إلا بتعذيب الولد بالضرب حتى الموت. بلغ الغضب بأحد الجنود مبلغاً دفعه إلى الجلوس فوق صدر الولد ليزهق أنفاسه خنقاً بيديه، ولو كانت العقوبة كما قال تسريحه من الجيش. طبعاً لا محاكمة ولا عقوبة، وحتى التسريح مبالغة جائرة، فالفيديو لم يصور إلا كتذكار يشهد على بطولة الجندي الذي أدب الولد ابقتله.
أما بطولة أفراد من دروز قرية في الجولان المحتل، فقد حضهم تأييدهم للنظام، على اعتراض سيارة اسعاف إسرائيلية، وإنزال جريج على أنه من “جبهة النصرة” وقتله، وهو امتياز برهنوا به على إخلاصهم للوطن السوري غير السليب. وأخيراً والذي لابد من ذكره، ولو كان ما جرى في سجن “رومية” اللبناني، مجرد تفصيل بسيط مما يجري في المعتقلات السورية منذ عقود، لكنه دال على أن العدوى سارية. كذلك اقتحامات الحشد الشعبي العراقي للمناطق السنية، وما يتبعها من مداهمات وتهجير يجري مثيلاً له في أرجاء سورية منذ أربع سنوات بلا توقف.
إضافة إلى المشاهد الاعتيادية على طول وعرض الجغرافيا السورية المتمردة، وما يطولها يومياً من البراميل المتفجرة، وما ينجم عنها من ضحايا، سواء كانوا في مسجد، أو أمام فرن، أو مستشفى، أو نائمين في بيوتهم. ومن المثير أن نشهد في موائد الإفطار الجماعية أن الصائمين انقسموا إلى قسمين، قسم يتناول بضع لقيمات، بينما الآخرون رفعوا رؤوسهم نحو السماء يراقبون فيما إذا كانت طائرة تقترب، ثم يتبادل الفريقان المهمة، فمن كان يأكل يحل دوره في المراقبة، ومن كان يراقب، يسارع إلى تناول بضع لقيمات. هكذا صيام رمضان تحت وطأة البراميل المتفجرة، تلك التي لم يعترف النظام بوجودها، وهناك جهات دولية ما زالت تتحرى الحقيقة، هل هي موجودة فعلاً أم لا؟ هذا بعد سقوط الآلاف منها، وحصدها الآلاف المؤلفة من السوريين.
لم تعد المشكلة في قتل الناس، فالقتل من لوازم الحرب الضرورية، ومن المهام المفروغ منها الموكولة إلى المقاتلين، لكنها مع طول مدة الحرب أوقعتهم في التعب والملل، ولم تعد تثير حماستهم، إلا بقدر ما توقعه من رعب، فالقتل المألوف على مدار الساعة، لا يثير الاهتمام ولا الانتباه، فبات التعويض عنه التركيز على القتل الذي يبث أكبر قدر من الذعر والخوف في النفوس. أحد أسباب هذه النقلات المفاجئة في إرهاب الناس، هو التصاعد المبكر في التمثيل بالجثث سواء كانوا شباناً أو اطفالاً، والمثال تعذيب الطفل حمزة الخطيب والتمثيل بجثته، إذ بدا وكأن ما أعقبه تضاءل بعده. بحيث شكل التلكؤ في التمثيل بالجثث تقصيراً في الدفاع عن الوطن، ما حرض على التنويع، إما برفع أعداد القتلى بالإجهاز على أعداد كبيرة دفعة واحدة، كما في الكثير من المجازر الجماعية، أو بانتشار ظاهرة التعذيب حتى الموت. أما في حال القبض على مقاتلين أو ناشطين سياسيين أو اغاثيين، فالإعدام الفوري. إضافة إلى الإيقاع اليومي كالاعتقال على الشبهة، لخطأ بالاسم، أو من منطقة ثائرة، أو الشك بأنه من عائلة تؤيد الثورة. والاهانة على أسباب تافهة، وهم أكثر من تمتلئ بهم السجون.
في العام الأخير، أعاد تنشيط “داعش” لعمليات القتل، الحظوة إلى هذا الاستعراض الاجرامي الذي كان مخصصاً لشبيحة النظام، وكان مصدراً لآلاف الأفلام والأفكار الجهنمية على اليوتيوب. ويبدو من عدم إيقاف هذه التسلية الجنونية، أن أكثر من طرف يستفيد منها، ما يتعدى الداخل السوري وأطراف الصراع فيه. لوحظ بشكل واسع من جهات غربية، لم تستوقفها جرائم النظام، وإنما استوقفها جرائم فصائل المعارضة المسلحة على قلتها بالمقارنة مع النظام، وكانت مبرراً لعدم مد يد العون للسوريين مهما بلغت محنتهم. كذلك الحكومات العربية، أسهمت في غض النظر عنها، وترويجها في آن واحد، لوحت بها بعض السلطات واستعملت فزاعات لأي ربيع يقصد منه اجراء إصلاحات، ولو كانت متواضعة وسلمية، ما دام مآلها إلى التسلح، فالثورة، فالفوضى، فالجهاد، فـ”داعش”…
عريضة الاتهام لأي تحرك سلمي باتت موثقة.
-
المصدر :
- المدن