الابتهاج الذي عم مناطق مؤيدي النظام، كان لإخفاق المؤامرة الكونية في اسقاط سورية في أحضان أمريكا، ولان الروس سارعوا لإيقاف التدهور على جبهات القتال. تعبيراً عن الفرح، ألصق المؤيدون على سياراتهم صور الرئيس الروسي إلى جوار صور الرئيس السوري، والمرشد الإيراني.
حسب وزير الخارجية الروسي، التدخل العسكري أملته ضرورة القضاء على الجماعات الإرهابية، وبذلك انضم الروس إلى التحالف المضاد لـ”داعش” وأشباهه، وقد اصطحبوا معهم أسلحتهم الثقيلة والخفيفة، وقامت طائراتهم بطلعات استطلاعية، تمهيداً لبدء غاراتها على مواقع “داعش” والفصائل الإسلامية المتشددة.
طبعاً، المفترض الآن أنها بدأت، وطبعاً لن يكون بوسع الطائرات الروسية التمييز بين فصائل معتدلة وفصائل متطرفة، ومعارضة معتدلة ومعارضة متشددة، ولا بين داعشي وغير داعشي. هكذا هي الحرب، فمنذ ما يزيد على أربع سنوات لم تفرق الصواريخ والبراميل المتفجرة بين المدنيين والمقاتلين، ولم تميز بين الافران والمساجد والمستشفيات وبين مواقع المتمردين وآلياتهم.
لا تليق صفة السذاجة بروسيا ولا الطيبة، في السياسة لا يُعترف بهذه الصفات البشرية، إذ لا تليق بالدول، وإذا كانت السياسة تستعين بتعبيري الشر والخير، فلعلاقتها بالأديان والايمان، ومثلما يجب قتل بعض المؤمنين ينبغي استرضاء مؤمنين آخرين. لكن في الأحاديث العادية بين الناس العاديين أقرب ما يمكن وصف روسيا به هو الذكاء، في الواقع تمكنت منذ بدء الأزمة من استغلال المستنقع السوري، وما كانت تحركاتها في مجلس الأمن، أو ارسال الخبراء والأسلحة، وإطلاق التصريحات البريئة، التي خدعت دولاً، وجماعات تدعي المعارضة، هم حسب زعمهم، الأعلم بالنوايا الروسية الحريصة على بقاء الدولة التي اضمحلت وتمزقت إلى بضع مدن محاصرة.
لا يمكن تكذيب الدعم الروسي للنظام، سواء تراخى أو إشتد، فقد كان الروس في وارد تطويع النظام نحو طلب التدخل المشروع، فسورية تتعرض إلى مؤامرة كونية. والنظام الحذر بنى أطروحته على الشك في دول الجوار، ولم يستبعد الدول الإقليمية، أما الغربية فعلى رأسها، وكان في ابتداعها برمجة لوساوس شملت بلاد العالم كلها. كلما تضخمت، انعكست على النظام بتضخم الذات، بحيث ان مؤيديه من حاضنته الشعبية المسلحة، اضطروا أحيانا الى الاشتباك مع حزب الله والميليشيات الإيرانية والعراقية، من جراء خلافات تافهة على الحواجز، فالمؤامرة الكونية لا تستثني أحداً. المهزلة الكبرى أن النظام الذي إخترعها صدقها، حتى أن مهرجين من النظام، الأعلم بسخفها يتبارون لتأكيدها.
المفارقة اليوم، أنه أصبحت هناك مؤامرة كونية مضادة، فالعديد من الدول توافقت على غض النظر عن حجم التدخل الروسي الذي لم يتوقف تدفقه وتمدده على الأرض السورية، التوافق يشمل الأمريكان وأصدقاء سورية، يتجلى في ما يتسارع من اتفاقات سرية، أما التصريحات العلنية فلذر الرماد في العيون. تتكيف هذه المؤامرة مع عبقرية صانعيها، أمثال بوتين رجل المخابرات القوي خريج الكى جى بى، ترى هل يستطيع التفكير خارج دائرة التجسس والتنصت وتصنيع حبكات لمؤامرات التدخل تسبقها تصريحات الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية؟
ما الذي يدفع الروس للمغامرة بجنودهم، والذهاب إلى أرض بعيدة عن حدودهم لقتال الارهابيين، هل من أجل الاسهام بحل الآزمة السورية التي أهملها المجتمع الدولي نظراً لكلفتها العالية وانخفاض المردود منها؟ الواضح أن أمريكا القوية لن تتدخل، أوباما ما زال على نهجه، سورية لا تعنينا؛ بينما يعمل على دفع الروس الى حرب لا جدوى منها، غير أن الروس ليسوا بهذا الغباء، إذا كانوا قد اندفعوا الى سورية، فليثبتوا خطأ الأمريكان؛ إنها حرب مجدية، ولا يتصرفون عبثاً، فقد تفاهموا معهم على أن الحل السياسي، لا يمكن التوصل إليه إن لم يكن لهم وجود عسكري فعال. المكاسب سوف تكون كبيرة، طبقاً لحجم وجودهم العسكري على الأرض، ليستخدم ورقة في المفاوضات. بينما يأمل الغرب في أن تكون سورية أفغانستان ثانية، لكن الروس يجدونها فرصة للشفاء من العقدة الأفغانية. لن يتورطوا في عمق الصراع السوري، الهدف عرقلة أي حل لا يكون لهم دور وحصة فيه، ما يمهد لاستعادة روسيا موقعها في النظام العالمي وبتكلفة ضئيلة بضع مئات من الجنود الروس وعشرات الآليات والمدافع، وبضع طائرات. في المناورات العسكرية قد يحصل خطأ، والخسائر لا تقل عن هذا القدر.
تعيد روسيا مفاهيم الحرب الباردة إلى العمل بالتواطؤ مع عدوها الأمريكي، الذي يتمنى لها الفشل في مهمتها الحربية سواء كانت حمقاء أو شريرة، ما الفرق؟! المنطقة لا تهم الامريكان كثيراً إلا بالخروج منها، وتركها لإسرائيل والعملاء المحليين.
المؤيدون السوريون لم يخفوا سرورهم من قدرة النظام الخارقة على احكام مؤامرة كونية مضادة، تضاهي الأصلية وتتفوق عليها، لا يدركون أنها ضد بلدهم، وإذا كان لها أن تثمر، فعلى أنقاض سورية وحرية شعبها، ومئات الآلاف من الشهداء، وملايين المهجرين.
قريباً سيتغنى مطربو النظام بالمنقذ بوتين.
-
المصدر :
- المدن