يحق للسوريين اليوم التفاخر بأن بلدهم قد أصبحت أخطر بلد في العالم، مع أنه أمر ليس محلاً للفخر، لكن هكذا شاء العالم أن يضع طموحاته واسلحته ومهاراته الدبلوماسية ومخططاته الاستراتيجية رهناً لصراع دولي على سورية قد يؤدي لحرب عالمية ثالثة، بعض المحللين بشروا بها، ليس كما توقع أحدهم بأنها حرب البترول والغاز، إذ من الممكن في اجتماعات مغلقة الاتفاق على ما يرضي المتخاصمين من دون حروب. الأمر يتعداها من ناحية الخطر الذي لا يشكل ما سبق سوى أحد افرازاته، فما يجري بات بلا ضوابط بعدما أعلن الامريكان عن نيتهم بالانسحاب من المنطقة، وأخذوا يستعدون لها، آخرها ظهور”داعش” فأوجدوا التحالف، تمهيداً لعدم تحملهم وحدهم عقابيل سياساتهم في العراق. بالتالي كان عدم تدخلهم في سورية طبيعياً، ما دام أنهم لم يتورطوا بالحرب مع “داعش” إلا بقدر محدود. أرادت أمريكا أقناع الأوربيين وحلفائها العرب بعدم جدوى تدخلها في سورية وذلك بإفشاله، بوضع عراقيل سياسية وعسكرية، وكان في مماطلاتها دعوة للروس ليفعلوا شيئاً، وتوقعوا أن تلزيمهم بالأزمة السورية، سوف يسارع بخروجهم من المنطقة، ومن الممكن تبريره حسب العبقرية الأمريكية المعتمدة، بأنهم سيُغرقونهم في المستنقع السوري. غير أن الروس ليسوا حمقى اهتبلوا الفرصة، لا ليخسروا حربا باتت فعليا مع شعب ترددت الحكومات الغربية في دعمه، وصارت تريد التخلص من ازمة تخلى عنها قبلهم راعي الازمات الأكبر. منح الروس لأنفسهم التزاماً أكبر وهو احتلال سورية مبدئيا بالشراكة مع الإيرانيين، ما يعزز مشاعر الشعب الروسي بأن دولتهم عادت لاعبا رئيسيا بين الدول الكبرى، عدا أنها لن تتورط بأفغانستان أخرى، أو تقع في الخطيئة التي ارتكبتها أمريكا في فيتنام والعراق، ستحارب بالطائرات، أما التوغل البري فسوف يتولاه جنود النظام وحزب الله اللبناني.
استغل الروس تدخلهم بالقيام باستعراض لقوتهم العسكرية. وشكلت الدولة الإسلامية غطاء لحملتهم العسكرية. بهذا أضافوا تعقيداً على أوضاع هي في منتهى التعقيد أصلاً. بحيث تبدو الحرب الأهلية السورية التي أبهظت كاهل السوريين ومزقت مجتمعاتهم أخف وطأة على الرغم من الأعداد الهائلة للضحايا. فمنذ أكثر من سنة، فقد السوريون بمختلف أطرافهم حماستهم لحرب فتاكة قابلة لإجراء مصالحة مع التنازلات بعدما اكتووا بنارها، وما إيران والروس سوى أنهم يمدون في عمر نظام عليه أن يرحل. لم يكن تململ الساحل السوري إلا لأنها حرب ستكون بلا نهاية إن ظلت على هذا المنوال، ستضحي بهم في سبيل انقاذ نظام لم يعد ينقذه شيء. السوريون تعلموا الدرس، لا يريدون لبلدهم أن يتفتت، وعلى استعداد لمحاسبة أنفسهم، لكن يجب أن يتيح هؤلاء المتحكمون بالقرار السوري، للسوريين التعبير عن أنفسهم، ولقد عبروا مراراً: أوقفوا القتل، نريد أن نعيش بسلام. هذا القرار يقبع في ضمير السوريين سواء من المعارضة او الموالاة بشرط الا يكونوا من الملوثة أيديهم بدماء مواطنيهم ولا مستفيدين من هذه الفوضى.
بالعودة إلى الاخطار، تحولت سورية إلى بلد مفتوح للمليشيات العراقية واللبنانية، ومؤخرا للروس المباركين من الكنيسة الارثوذكسية، وأيضاً إلى مهبط لمتشددين إسلاميين من جميع انحاء العالم، لا يجدون معنى للحياة إلا في الاستشهاد، ومعمل تفريخ لأجيال من المقاتلين الأشبال من معسكرات تنظيم الدولة الإسلامية، وغيرها من الفصائل الإسلامية، فالطفل الذي كان عمره عشر سنوات في بداية الاحتجاجات أصبح عمره الآن خمس عشرة عاماً يحمل السلاح ليقاتل، أو أنهى تدريبه على عملية انتحارية.
الخطر الذي يؤثر في العالم الإسلامي أيضاً، هو تفاقم الصراع الشيعي السني والذي استخدمت فيه واحدة من أعتى الأسلحة المذهبية كالمراقد المقدسة وشعارات الثأر وهجاء الصحابة واستعراضات اللطم والدم، ما أقنع حملة السلاح المقدس إلى عودة الخلافة أخيراً لأصحابها الأصليين.
أما الخطر الذي امتد إلى أوربا، فهو اللاجئون الذين نزحوا من المدن والقرى السورية هرباً من البراميل المتفجرة وسيوف “داعش”، وكان لخطر الموت الأكيد أن شكل أسوأ حركة اقتلاع للأهالي من بيوتهم وأراضيهم. وإذا كانت بعض الدول كألمانيا قد تحمست لاستيعابهم، لحاجتها إلى ايدي عاملة وكفاءات علمية، لكن أغلب الدول الأوربية أبدت مخاوفها منهم وعاملتهم أسوأ معاملة.
اليوم من الغريب التلويح بحرب عالمية ثالثة، اكتسبت عالميتها بالرغم من استبعاد دول العالم منها؛ أمريكا منسحبة، إسرائيل محيّدة، الأوربيون خائفون أصلاً من التدخل. بالتالي أن تكون الحرب التي ستشن على السوريين، حرباً عالمية ثالثة، فلأن روسيا لن تستعيد مكانتها إلا بحرب عالمية مفبركة بضجيج اعلامي، ما يكسب إيران أيضاً دور الدولة الإقليمية المؤثرة بالحفاظ على عميلها النظام في مواقعه. وهكذا لأول مرة في التاريخ المعاصر، يروج لحرب عالمية ثالثة، هي تسويق لنظام نجح في التآمر على شعبه واخضاعه بالقتل والتدمير والتهجير بمساندة قوى خارجية. الانتصار المبدئي الذي سجله دخول الروس ليس فيه ميزة ولا تميز، وإذا كان له من وصف فهو الاستقواء على شعب طالب بحرياته.
-
المصدر :
- المدن