وضع الغزو الروسي لسورية العالم أمام الأمر الواقع، وهو واقع شديد الصلابة لا سبيل أمام الغرب وأمريكا لتجاوزه بالتصريحات الغاضبة، ولا المبادرة للتصدي له؛ فهما لم يستطيعا فعل شيء جدي إزاء مطالبات السوريين بالحرية، فكيف وروسيا بجنودها وعتادها ورجالها وطائراتها في الداخل السوري، ولديها مبرر معلن هو محاربة الارهاب، وبنك للأهداف، وقرار جاهز بعدم وجود معارضة معتدلة، جميع المسلحين عبارة عن إرهابيين، ولا ضمانة لعدم قصف المدنيين غير الإرهابيين. لقد جاءت بدعوة من الحكومة الشرعية، وبتنسيق مع إيران. ولديها خطوات واضحة لوضع حد للحرب السورية، إذاً الحل معروف، وهو إعادة الهيبة إلى النظام المهلهل، وعودة الشعب المضلل بدعايات الحرية إلى رشده.
وضعت روسيا أيضاً الغرب وامريكا أمام عجزهما وبقوة السلاح هذه المرة، فالغزو كان استعراضاً عسكرياً مطلوباً. حان الوقت لبوتين كي يطلع العالم على أن القوة التي يتمتع بها لا شيء يمنعه من استخدامها، ولو أن الارهاب لم يمس ارضه، لكن منعاً للتهديد المستقبلي. مبدئياً يحق له قتال الشيشان في سورية لئلا يعودوا إلى روسيا ويشعلوا الحرب ضده في بلادهم.
عادة تعتمد الأزمات الدولية على الزمن في إيجاد حل لها، لا الدبلوماسية تنجح ولا التهديدات تنفع، فتترك للمصير وللزمن، الحروب مكلفة وشاقة وجراحها غائرة. الزمن يستنفد الصبر وهو الأكثر فعالية في تبريد الحروب، إلا أذا أراد الغرب أن تبقى ساخنة، ففي لهيبها فوائد إحداها رفع مبيعات الأسلحة، حتى للجوار حماية لبلدانهم. ومازال الكثير من الأزمات عالقة من دون تدخل دولي، إلا على استحياء، وبلا جدوى بعدما أسهم الزمن متعدد الوجوه والاستخدامات باستعصائها.
بالنسبة لسورية، تعدى ما يحدث فيها توصيف الأزمة منذ اختار النظام الحل العسكري، واعتمد الزمن الحربي كعلاج عاجل، كان خاسراً على المدى القريب والبعيد. بالتالي لم يكن الأمر الواقع الروسي إلا تأكيداً لما هو جار فعلاً منذ السنوات الأولى للثورة السورية، لم يتغير إلا في بعض تفاصيله ومن جانب واحد وكان في زيادة الدعم للنظام السوري من حلفائه، وبأشكاله الأكثر فجاجة؛ ميليشيات مذهبية وبراميل متفجرة.
ينظر أوباما إلى هذا الواقع على أنه “مستنقع” ولم يخف رغبته المضمرة والمعلنة أن يكون أكثر وحلاً وضحالة، وأن يتخبط فيه كل من يدخل إليه ليغرق فيه. وهو مناسبة ليذكر الشعب الأمريكي في ما بعد أن الولايات المتحدة نجت من مستنقع لولاه لكانت خسائرها من الضحايا والسلاح لا تعد ولا تحصى. أوباما يتفهم هذا الواقع الذي كان عرابه وأحد صناعه الكبار باستراتيجياته المتعددة، بدعوى الخروج من المنطقة تمهيداً للدخول إلى منطقة أخرى من العالم. كما سار أو يسير على نهجه الأوربيون، ولن تكون هناك حاجة للمشاركة في الحرب إلا بالتنسيق مع الروس على اقتسام السماء السورية، كما حدث مع الإسرائيليين، تأكيدا على اتساع الفضاء الفسيح لتواجد الجميع في استعراض بهلوانيات طائراتهم التي لا تجدي على الأرض إلا بالمزيد من الخراب والقتل.
أما الجانب المفترض مراعاته، وهو السوريون. فالأمر مختلف، إذا كان الروس استطاعوا وضع العالم امام الامر الواقع، لكنهم لن يستطيعوا وضع السوريين امام الواقع نفسه لا لسبب سوى ان السوريين يرونه بشكل مغاير تماماً. فهذا الواقع المستنقع، حسب النظام والتنظير الأمريكي الروسي الإيراني: السوريون جزء منه. وفي هذا فارق عظيم يستحيل المقاربة بينهما، إذ أن السوريين يرون هذا المستنقع عبارة عن نظام يقتلهم بلا رحمة منذ ما يقارب خمس سنوات، مزق مجتمعاتهم، وجعل منهم أعداء بعضهم بعضاً، ومؤيديه مجموعات حاقدة ومتسلطة، تُكافئ بالسلب والنهب والاغتصاب. يضم أيضاً ميليشيات تتذرع بالإسلام، متعددة الجنسية وموحدة مذهبياً، تلطم وتندب، لا يميزهم شيء عن الدواعش قاطعي الرؤوس والأيدي والأرجل. تشد من أزرهم إيران وروسيا، ويغض النظر عنهم أصدقاء سورية، ويساعدهم مناصرون من بلدان تذكر بأيام النضال الذي لم تحظ شعوبهم بما كان مأمولاً منه، لا بالمساواة ولا بالعدالة أو الحرية، لم يقهروا الامبريالية، لأن الامبريالية قهرتهم، غير أن الاواصر النضالية الخاسرة ما برحت تؤدي دورها على أحسن وجه بما يحفظ ماء وجوه زعمائها الثوريين وورثتهم العتاة في كوريا وكوبا… ترى هل ما زال في جعبة العالم غيرهم مواظبون على هذا العناد الرفاقي في اخضاع شعوبهم؟
-
المصدر :
- المدن