تبدو الرواية على عداء دائم مع الأحزاب، هل لأنه لا سلطة فوق سلطة الرواية؟ إذا كان الهدف الاستيلاء على السلطة، فالأدب لا يسعى إلى سلطة هي بحوزته، بينما الأحزاب بشكل عام، والثورية اليسارية خاصة، إذا اهتمت بالأدب، فلتأثيره في المجتمع، فهي تعد الشعر والرواية من ترسانتها الفكرية.
في رواية “الأم” لغوركي، و”الفولاذ سقيناه” لأوستروفسكي، وغيرها، أمثلة كانت تحتذى في التضحية والسلوك البروليتاري القويم، كان الشيوعيون العرب يحثون على قراءتها، لتسويق نضالات الحزب الشيوعي الأم، وإعطاء تصور عن نعيم مجتمع بلا طبقات، نظيف من الاستغلال.
على امتداد كفاح الأحزاب اليسارية والقومية واستيلائها على السلطة، لم تستطع انتصاراتها أن تغري روائياً واحداً، يكتب مسيرتها المظفرة، بينما نجد أكثر من روائي كتب عن جمودها العقائدي وتدهورها المخزي، لا يعني هذا أنه لم يكتب عنها بتفان وإيجابية، بل كتب، لكن الوقائع كانت تكذبه، انبرى لهذه المهمة أدباء من الأحزاب، في مرحلة النضال الثوري، أغلبهم تطوعوا بلا بمقابل.
بعد الانتصار، جندتهم دولة العمل والفلاحين ليس بلا مقابل، الأنظمة تملك المال، ترصده للإعلام، فأصبح الأدب مادة للدعاية.
” الحزب الشيوعي الروسي، لم يقدّم للعالم أديباً على سوية تولستوي”
طوال زمن قارب نصف قرن من الوقت الضائع، لم تبرز رواية يمكن القول إنها من صنيع عهد جديد، على الرغم من التفاؤل الذي ضجت به روايات تلك العهود، بحيث فاق تفاؤلها الخطط الخمسية ودحر العدو الإمبريالي. اختطها حزب البعث على مدى عمره الطويل، ومثله الأحزاب الشيوعية على مدى عمرها الأطول الأكثر خمولاَ، كذلك الأحزاب القومية الأخرى الملحقة بالهامش.
العثور على رواية مهمة، أو روائي معروف، تصدى لهذا الشأن الجليل، تبدو أشبه بالمستحيل على الرغم من توافر روايات، بلادتها أوردتها النسيان، شواهدها في مستودعات اتحادات الكتاب يأكلها العث والغبار.
وفي حال بدا حنا مينه شيوعياً، فلأنه عانى في نشأته وشبابه من الفقر والحرمان، وكتب عنهما في رواياته الأولى. أما عبد الرحمن منيف، فقد يحسبه البعض على حزب البعث، لكنه لم يكتب رواياته، إلا بعدما حجّم صلته به إلى حد القطيعة، وما كتبه كان على النقيض من ممارسات الحزب الذي استبد وطغى في بلدين.
لا ينبغي على الأحزاب بأنواعها، أن تأسف على عدم إنتاجها رواية تليق بها، أو تنسب إليها، فالحزب الشيوعي الروسي، لم يقدّم للعالم أديباً على سوية تولستوي، أو دستوفسكي، أو تشيخوف.. لن نقول إنهم نتاج العهد القيصري، لكنهم ليسوا نتاج بؤر الأحزاب الثورية..
فالأحزاب لا تصنع الأدباء، إنما الحياة والواقع، هما اللذان لهما الفضل بإطلاق هذه الخامات العبقرية، ولقد كان من نفايات ما صنعته الحياة والواقع، أحزاباً قدمت لشعوبها الموت والدمار، بينما قدّم الأدب النور والفكر والمعرفة والمتعة، فيا لمشيئة الأقدار العابثة، كيف بلغ بها العمى أن تصنع النقيضين!
-
المصدر :
- العربي الجديد