لم يصادف الأدب مثل هذه الحفاوة من قبل، أخيراً أصبح عُملة رائجة في الصحافة ووسائل الإعلام، ولدى ذوي الشأن الثقافي، كان من نتائجه نعمة الجوائز. ارتدّت على الكِتاب، وكان على مستوى هذا الموقف المشجع.
فحسب دور النشر، تراوح تصنيف إصدارات الكتب بين اللافت والرائع، والخارق والعظيم، ممهوراً بتقييمات الصحافة في الجرائد ومتابعي الشأن الثقافي في المواقع الإلكترونية. الهدف نبيل وواقعي وهو ترويج الكتاب، ورفع أرقام مبيعاته، بعدما اتُفق على أنه سلعة فقط، دون أية مسؤولية عن قيمته الحقيقية، فالغاية هي القراءة، ولو كان أي شيء.
لم يعد من المستغرب أن يُقرأ تقريظ لرواية على أنها “واحدة من أعظم الروايات في عصرنا”، على هذا النمط الأريحي ستسير الدعاية للأدب، بات تطريز الرواية بما أصابته، أو ما يفترض أن تصيبه من مديح تقليعة دارجة، فالروايات تتحمّل هذا الإطناب الخيالي، ما دام أنها تستعين بالتخييل، فلمَ لا يكون تسويقها ينحو إلى الخيال؟
” الترويج كي يكون ناجحاً يحتمل الكذب والتضليل والمبالغة والتزوير”
وهكذا أصبح الطريق سالكاً إلى الروايات الأكثر مبيعاً، والقوائم الأعظم على مرّ العصور، والأكثر روعة، والأكثر أهمية، والأكثر جرأة…حتى بلغ الأمر ببعض المواقع أنها أخذت تصدر الأوامر باقتناء كتب محدّدة، وإلا خسر القارئ عمره إن لم يقرأها.
الأكثر رصانة، قوائم اتحاد الكتّاب، المعروفة بسخاء تقدّميتها، وهي قوائم تختلف لدى كل إدارة عن سابقاتها، لتُرضي الأصدقاء وتلغي الأعداء، فلا يدرج اسم لكاتب مغضوب عليه غير معترف بوجوده أصلاً، وإذا ذُكر، فعلى أنه مارق أو عميل.
ما سبق يدعم مقولة الترويج، ولنا في رواية “دافنشي كود” قدوة حسنة، فقد بلغت مبيعاتها ما يزيد عن ثلاثين مليون نسخة، هذا الرقم لا يضعها على قائمة الروايات العظيمة (هذا إذا كنّا جادين)، مع أنه يستحيل على أيّة رواية مهما علا شأنها أن تبلغ مبيعاتها هذا الرقم خلال الفترة ذاتها التي حقّقتها الرواية منذ سنوات، مع العلم أن الكثير من الروايات العظيمة غُمط حقها عشرات السنين، فقد ناصبها النقّاد الأشاوس العداء في زمانها، وبلغ الغضب بهم حدّ تسفيهها، وأحياناً مُنعت، وطولب بتجريم كاتبها.
واحتاجت إلى أجيال من القرّاء ومواكب من النقاد لاكتشاف قيمة رواية مثل “مدام بوفاري” و”الأحمر والأسود” و”البحث عن الزمن المفقود” و”عشيق الليدي تشاترلي”… وما قدّمته للبشرية من نظرة في الحياة أعطت للإنسان مفاهيم خلاقة بما امتلكته من بصيرة في النفس الإنسانية، حتى أن القرّاء كانوا يتعرّفون إلى أنفسهم من خلال قراءتها.
لا يشترط على الإطلاق أن تكون الروايات الرائجة، تستحق القراءة، إن فضل انتشارها يُعزى إلى الدعاية، وهو أمر لا علاقة له بالفن الروائي، فالترويج كي يكون ناجحاً ويؤدّي الغرض منه، يحتمل الكذب والتضليل والمبالغة والتزوير… والتعمية أيضاً، طالما أن التنشيط الثقافي لا يكون فعالاً إلا بتجهيل القارئ بالأعمال الجيدة.
-
المصدر :
- العربي الجديد