يبدو الكتّاب السوريون من شعراء وقصّاصين وروائيين كأنهم قادمون من كوكب آخر، كوكب الدماء والجثث والمشوّهين، ما لا يلائم حساسية الأدب. في الواقع، لا ينقص كوكبنا الوحوش ولا البرابرة. وبنظرة رومانسية؛ الأدب لم يصنعه البشر إلا لإضفاء الجمال على العالم، وأي تحوّل نحو المآسي والانكباب عليها ما هو إلا شذوذ يصيب بالعطب مهامّه الجليلة.
الكتابة السورية خلال السنوات المنصرمة وقعت في حبائل الهمجية، فامتلأت بقصص القتل والدمار والإعدامات والاغتصاب، وأنواع من التعذيب لا يصدّقها العقل.. أي جميع ممارسات البشرية من عدوانية، أباحت حتى التمثيل بالجثث. لم تزد هذه القصص والروايات عما يذاع في نشرات الأخبار المصوّرة، وما يلتحق بها من صحافة تستهويها جرائم ليست إلا فضائح مهولة تمسّ النظام السوري وجماعات الإرهابيين المتأسلمين.

هناك رأي حصيف يقول: لا يجوز للأدب التطرّق إلى الفظائع الحالية بدعوى أنها نزاعات بين أطراف عدة، المعتاد ألا يُكتب عنها، أو يُتخذ موقفٌ منها، إلا بعد انتظار سنوات طويلة، أي بعدما يبتّ التاريخ بأمرها، باعتبار التاريخ يمثّل العدالة المطلقة.

” نزاعات لا يُكتب عنها حتى يبتّ التاريخ في أمرها”

حسب الرأي السابق أيضاً، إنه من سوء حظ الأدب السوري أنه “تنكّب الصواب”، ولم يصبر، وحاول انتزاع هذا الاختصاص من التاريخ، مغفلاً شرط الزمن. وذهب في اتجاه مضاد للفن، ينحو إلى تحلل الأدب من مهماته الجمالية، فعوقب باستبعاده من الجوائز الأدبية. واعتبرت خطوة رشيدة على طريق إلغائه من خريطة الأدب في هذه الفترة الملتبسة التي من المبكر التعرّض إليها، ربما كانت الغلبة للنظام الممانع والمقاوم.

إن في معاقبة الأدب السوري عبرة مهمة أخذتها الجهات الثقافية العربية على عاتقها لئلا يعاد الاعتبار للاحتجاجات في الأدب، والتطلع إلى ربيع عربي قادم، في وقت لم يعد خافياً الجحيم الذي آل إليه الربيع الراحل.

ونحن نعلم أن أغلب البلدان العربية ليست بخير، فالدكتاتورية ليس اختصاصاً سورياً، ولا الفقر والجهل والجوع والجرائم من النهب إلى الاغتصاب… ما يشجع الإسلام السياسي على “تسيس” هذه المظاهر المرضية التي لا تخلو منها دولة. إضافة إلى عدم تردّد الأنظمة حيال معالجة أي نوع من الربيع، بما يسمح بإبادة جمهوره، بينما القضية الفلسطينية المفروغ منها، ما زالت البديل الموفّق لجميع القضايا القومية والوطنية: عدو جاهز، واشتباكات متقطعة، لكنها لا تهدأ، وأسرى… على أن تبقى ضمن حدود فلسطين.

كما يستطيع الروائيون الكتابة في الجنس مع القليل من الاحتشام، وقضايا المرأة المضطهدة، وموضوعات المثليين والمثليات الأكثر انتشاراً في العالم، أو الذهاب إلى التاريخ والتصوّف… قضايا إنسانية يصعب حصرها.

لماذا لا يسعى السوريون إلى أن يكون لهم مكان داخل هذه التشكيلة؟ ما جدوى سعيهم إلى الكتابة عن بلدهم، وكأن لا مأساة سوى مأساتهم؟ ما لا يفهمه السوريون أنها قضية سياسية بحتة، ليس لها علاقة بالأدب وقيمته!

اقــرأ أيضاً