إعادة إعمار البلدان التي لم تنجُ من آثار “الربيع العربي”، لن تقتصر على إعادة ما تهدّم خلال الحرب، ولا إصلاح البنى التحتية وتجديدها بأحسن، أكثر تطوراً، وإنشاء شبكات مراقبة وتنصّت يعوّل عليها في ربط أرجاء البلاد في بؤرة أمنية مركزية، لئلا يتعرّض الشعب للتفجير والتفخيخ، وجاذبية الحوريات الفاتنات.

سوف تكون البنية الفوقية على رأس اهتماماتها، وتُعطى الأولوية لإصلاح العقول، بالتآزر مع إصلاح التاريخ، خصوصاً التاريخ المعاصر الذي نعيشه اليوم، الملخص في الهجمة الإرهابية على المنطقة. لن يشار إلى الذين كانوا سبباً لها، أو صنّعوها، بل والذين دعموها وموّلوها بالسلاح، فأعداء الأمس قد يصبحون أصدقاء الغد. ذلك درس دبلوماسي تعلّمته الأنظمة وأصبح من محفوظاتها. فكثيراً ما عادت ثم صادقت، أو صادقت ثم عادت، ليس الصداقات البريئة، وإنما صداقات المصالح. أما العداوات، فليس العداوات المعروفة، بل عداوات الحديد والنار، طالما الشعوب تدفع تكاليفها.

” الأزمة أثبتت ألا جدوى من المثقفين سواء كانوا مع النظام أو ضده”

إصلاح العقل والتاريخ، يأتي من تغيير المناهج الدراسية، وإعادة النظر في الدين والسياسة والديمقراطية… وتبني ما سوف يدعى بما بعد الأيديولوجية، وهي خليط من محبة الدكتاتور، والاستسلام الكامل للدولة الشمولية الموعودة، فهي الأعلم بما فيه خير الشعوب التي اكتوت بالثورات.. تأخذ زمناً، ستعمل المسلسلات الدرامية على تسريعه شعبياً، مع البرامج الترفيهية والمسابقات. لن يكون الترفيه للترفيه، ولا التسابق للتسابق، كلاهما هادفان، إلى الطاعة، والمكافأة بالجوائز.

الهجمة الكبرى، ستكون من حظ الدراما التلفزيونية، التي برعت في نقل الواقع والخيال إلى الشاشة، والأقدر على تجسيد صراع دام سبع سنوات حتى الآن، حفل بالقتل والنهب والجثث، ما يشكل نبعاً لا ينضب من التراجيديات الدامية. ولنتصور كمثال الحرب السورية (مع أنه الواقع تماماً)، مئات الجبهات المشتعلة في أرجاء الجمهورية، لم تستثن مدينة ولا قرية، وخلفت خراباً يكاد أن يكون شاملاً، لم تنج منه المساجد والكنائس وأضرحة الأولياء، والقبور، حتى باتت الأحياء والمنازل والمرافق العامة والبشر من سقط متاع القصف الدوري.

ولئلا يظن أحد، أن الدراما قد تتمرّد على هكذا مهمة جسيمة قبل أن تبدأ، هذا لن يحدث، فأهل الفن على علاقة طيبة بالنظام سيتولون إخراجها على أحسن صورة، خاصة وأنهم أسهموا إعلامياً بالدعاية للنظام، وأحياناً بالسلاح دفاعاً عنه، وفي حال النقص سيتبرّع فنانون من الأقطار الشقيقة لسد العجز، فبلدان المنطقة متكافلة في السراء والضراء.

المؤسف ألا يكون المثقفون من جنود المستقبل، الأزمة الطاحنة أثبتت ألا جدوى من الثقافة والمثقفين، وهم سواء كانوا مع النظام أو ضده، لا تأثير لهم. الرصاص والمدافع وراجمات الصواريخ، أجدى بما لا يقاس. سيُعتمد على المحللين السياسيين، وإعدادهم على نحو أفضل من الذين سبقوهم، مع الاستعانة بمراكز أبحاث دولية للتنظير لما يفوق طاقة المحللين المحلّيين على التنظير له.

البداية: تنظيف الأيدي الملوّثة بالدماء، ووداعاً للعقل والتاريخ.

اقــرأ أيضاً