يذهب الأدب نحو سبر الوقائع على السطح وفي العمق، مع ما في هذا التوجه من مقارعة للواقع، باختراقه وفضح خفاياه، فلا يكون الغموض سنده. إن الكشف عنه يعني التصدي له ودحضه، وهي محاولة نبيلة وجريئة من الأدب.
في حال اعتمدنا النظر الروائي، تتسع الرواية للعواطف الذاتية والمشاعر العاصفة إلى القضايا الكبرى وحمولاتها الثقيلة، مروراً بالسياسات المتلاعبة بمصائر البشر. فالرواية، تقبل ما ينبذه الشعر، ولا تطيقه القصة القصيرة، ويستعصي أحياناً على كتّاب الدراما، ثمة فسحة واسعة ومفتوحة لا تتوافر في غيرها.
ليس غريباً أن تأخذ الرواية على عاتقها قضية خاسرة كالنظام السوري، وتحاول إيجاد المبررات له من ناحية أنه ليس غبياً ولا حقيراً، وإجرامه كانت له أسبابه، وقد يصل الأمر إلى القول إنه ليس ذكياً فحسب، بل عبقرياً، ولا يُستبعد بقاؤه على الرغم من فساده، وجرائمه الموثقة بأفلام وصور ووثائق… مع تاريخ طويل من الفظائع.
ما يدل على ألمعية النظام، مسارعة الغرب لإنقاذه، رغم أنه من بلدان الشموليات المقيتة، الملفوظة من حسابات ديمقراطياتهم وأجنداتها، فما البال إذا كان من بلدان الشموليات الرثة المتميزة بالخواء، تعبّر عنه توجهاته، تلخصها (الأسد إلى الأبد… أو نحرق البلد) بلا أيديولوجية متينة، ولا حتى رخوة، ترفع شعارات التهديد بالقتل والتجويع والطرد.
” ليس غريباً أن تأخذ الرواية على عاتقها قضية خاسرة”
أما الوعود، فللتحريض على التجنيد والتحشيد وشراء المؤيدين، ما يشكّل تركيبة يغلب عليها المزيج النموذجي المعروف من اللصوصية والنهب والرشوة والاحتيال. بينما النخبة من المنظومة الحاكمة في أفضل حالاتها قادة مراكز أمنية. هذه هي العقلية التي تدير البلد، باعتباره مزرعة يملكونها، ويملكون ما فوقها من البشر، ولهم الحق بالتصرّف في أجسادهم بالاعتقال والتعذيب والموت.
يجد الموالون في مسيرة النظام إعجازاً غير مسبوق، كان لها الفضل في استمراريته على هذا المنوال طوال سبع سنوات من الحرب، لم يسقط أو يتصدع. ما يعضد فكرة تعدّد وجوهه ومواهبه. فعلاقته الجيدة مع الداعم الروسي، لم تتخلف منذ كانت روسيا شيوعية، وبعدما أصبحت دولة براغماتية ذات طابع مافياوي.
بينما تطرح الاحتجاجات الإيرانية الحالية، علاقته العضوية مع نظام الملالي ومآلاتها، ما يشير إلى أن في بقائهم بقاؤه، وفي رحيلهم رحيله، مهما بعدت المسافات بينهما، في حين وكيله في لبنان، “الحزب الإلهي”، ما زالت دعواه في حماية المراقد المقدسة سارية المفعول، وشملت أرجاء البلاد حتى غير المقدسة. أما “إسرائيل”، فشعار المقاومة والممانعة، أكبر ضمانة لحدود مخترقة ومصانة في آن.
هذه الصورة، لن تصمد في الأدب، ولا مشقة في انهيارها، فالرواية متخصّصة أيضاً في الانهيارات الدراماتيكية، خاصة وأن النظام، ذو وجه واحد: الدموي. ومن ناحية الذكاء، يمكن وصفه بالإجرامي. أما تعدّد المواهب، فهو على استعداد للخضوع للأبالسة، كما هو حاصل، على أمل البقاء للأبد.
هذه هي وجوه النظام ومواهبه المتعدّدة.
-
المصدر :
- العربي الجديد