أُطلق على اجتماع اتحاد الكتّاب العرب: اجتماع العار، وكان إهانة للأدب والأدباء. ما يسمح بإعادة النظر باتحادات الكتّاب، وليس بالإهانة، وإن كان الحدث ليس غريباً، ولا مفاجئاً. ما دام لا يُتوقع من اتحادات كهذه موقف مختلف. لماذا الخروج عن طوع أنظمة، هي صنيعتها، أو التمرد عليها؟
هل تمثّل اتحادات الكتّاب الأدباء العرب؟ طبعاً، لا، حتى لو كان من يدّعي تمثيلهم، شعراء وروائيون وقصاصون ونقاد… سارعوا إلى عقد مؤتمرهم تحت جناح نظام شنّ الحرب على شعبه، وقتل وشرّد الملايين. لا أحد منهم يستطيع الزعم أنه لا يعرف، الكارثة السورية بلغت عامها السابع، وقائعها اليومية تشير إلى أن الموت والخراب ما زالا الخبر الرئيسي. هذا النوع الخاص من المثقفين، يدعى: مثقفو السلطة.
في بدايات القرن الماضي، ابتكر إميل زولا لقب “المثقّف” للإعلان عن انخراط الأدباء في الشأن العام، وانحيازهم إلى الحقيقة والعدالة، في إشارة قوية إلى أن السياسة ليست حكراً على السياسيين في تقرير مصائر الناس والأوطان. احتلّ المثقف مكانة متقدّمة في معركة الحريات ضد الدكتاتوريات، فما بالنا بالدكتاتورية في أبشع صورها. هل هناك أبلغ من انحطاط نظام لا يتورّع عن تهجير شعبه، واستقدام دولتين لاحتلال بلده؟
يمكن الحديث مطوّلاً عما ارتكب من جرائم ونهب، وجرى التستر عليها تحت شعارات العروبة والقومية والوطنية والمقاومة والممانعة… ما أكثر الشعارات؟ ترى ما نوعية ثقافة تمنح القاتل الذرائع للقتل وتدافع عنه؟ بينما المفروغ منه الوقوف إلى جانب الحقيقة، لا غضّ النظر عن ذبح الشعب لحساب سلطة مجرمة.
لذلك المثقف ضرورة.
نشأت فكرة اتحادات الكتاب في فترة الحرب الباردة بين الروس والأميركان، فجيّش كل منهم الأدباء في حرب الأيديولوجيات. فكان أدب للمعسكر الاشتراكي وأدب للمعسكر الرأسمالي.
ودعمت الاتحادات بالمال لإحكام القبضة على الثقافة. الحرب الباردة انتهت، وخلّفت وراءها اتحادات هزيلة عاجزة عن الأدب وطامحة إلى المناصب. وكان استمرارها على قيد الحياة لتجميل صورة أنظمة مهترئة، وخداع الشعب بالترويج للنضال من جديد ضد لا شيء، بعدما انتهى زمن الأنظمة الشمولية، وأصبحت من ذكريات ماضٍ أسود، وأعمار ما تبقى منها على وشك النفاد.
إن قوّة الأدباء ليست في تجميعهم كالقطيع، والتكلّم بصوت واحد، بل قوتهم في تحرّرهم من أية سلطة، وانصياعهم للحقيقة وحدها. وفي حال جمعهم موقف من قضيّة محدّدة، بعدها ينفرط عقدهم ويعود كل منهم إلى عالمه. يكتب بحرية في عزلة وتأمّل، لا يتلقى مواقفه من الرئيس الملهم، والحزب القائد، والأجهزة الأمنية.
اجتماع اتحاد الكتاب الأخير، يحيلنا إلى مؤسسة خانعة تنحو إلى تحويل الأدب إلى بوق، لكن التاريخ يعاكسها، ويبرهن على استحالة شراء الأدباء بالامتيازات؛ إذ ليس لأديب صاحب ضمير ثمن.
العار ليس في الاجتماع فقط، العار في أدباء على وفاق مع الطغيان.
-
المصدر :
- العربي الجديد