بدأ القرن الحادي والعشرون بداية تراجيدية مع “غزوة” نيويورك وانهيار برجَي التجارة الدولية، أعقبه غزو العراق، وانهيار دولة بحالها، لم تتماثل للشفاء حتى الآن. ثم بدا من غليان المنطقة أن هناك توجّهاً شعبياً نحو الديمقراطية في حراك “الربيع العربي” بقيام مظاهرات قام بها الشبان شملت عدة بلدان عربية.

بالعودة إلى النصف الثاني من القرن الماضي، كانت “الدول الديمقراطية” تسعى إلى عقد تحالفات مع بلدان العالم العربي، فحيكت المؤامرات لإحداث انقلابات في الدول المعاندة للأحلاف، ما أكسب الديمقراطية سمعة سيئة، مع الوقت تحسّنت وأصبحت حلم الشعوب المقهورة، كانت الخلاص من طغيان الدولة الشمولية.

أشارت التوقعات إلى أن زخم “الربيع العربي”، سيمضي قدماً إلى الأمام ويُسقط الأنظمة الفاسدة. اعتقدت الملايين المطالبة بالديمقراطية، أن الغرب وجد في “الربيع” ضالته لهداية العرب إلى أيقونته السياسية.

” أوقع “الربيع” الغرب في الحرج بسبب الخوف من الغليان الشعبي”

هذا الاعتقاد كان جراء النظرات الساذجة والمثالية التي تتمتع بها الشعوب المغلوبة على أمرها، فهي تجهل السياسات الدولية وكواليسها، ولا تعرف أن خلافات الدول الكبيرة تستغل الدول الصغيرة في صراعها على الهيمنة على ثروات العالم. ولن تدرك أن أحد أطراف القمع الذي تعاني منه، كانت حكومات الدول الديمقراطية نفسها.

لكن سقوط “الربيع” وإغراقه بالدماء والخراب، سيتيح للشعوب العربية إدراك أن الدعوات الغربية إلى الديمقراطية، مجرّد ادعاءات، وإذا لوّحوا بها، فالقصد ليس تعميمها، فهي مخصّصة لهم، لا يشاركون دول الشرق المتخلفة بها. ما دامت التساؤلات المطروحة غالباً؛ لماذا يتقدمون، وإذا تقدموا، فإلى أين سيذهبون؟

أوقع “الربيع” الغرب في الحرج، ليس من باب عدم التجانس بين الدعوات والادعاءات، بل الخوف من الغليان الشعبي، لأول مرة في تاريخ الثورات، تتحرّك الشعوب دونما أحزاب تسيطر عليها، لإسقاط أنظمة دكتاتورية مجرمة. كانت الخشية من أن تستلفت اهتمام الشبيبة الغربية، ما قد يحرّضها على الانتفاض ضد أحزاب متشابهة تتبادل الحكم والفساد، خاصة أن ديموقراطياتهم أوهى من دكتاتورياتنا، وقد تسقط خلال أيام لا أشهر، وإذا كان “الربيع” برأيهم نزوة شرقية، لكنه قد يصبح تقليعة غربية.

في المثال السوري، على مدار سبع سنوات، أدار العالم ظهره للكارثة السورية، سياساته اللاأخلاقية عزّزت استفحال هيمنة الكذب، أصبح أكثر العملات تداولاً في المحافل الدولية، ولم يعد من الغرابة أن يكذب الرئيس بوتين ووزير خارجيته لافروف، كذلك الرئيس الأميركي أوباما ومن بعده ترامب، ومثلهم قادة الدول في أوروبا لا فرق بينهم.

لم يسبق للدول الاتفاق ضد شعب نكّل به دكتاتور ضئيل الشأن، وحاز على إجماع بالعناية به لإمكانية تحويله إلى بيدق في ألعاب السياسة الدولية، ما قدّم برهاناً على أن بوسعهم تنظيف مجرم من جرائمه وإعادة تشكيله وتأهيله دكتاتوراً على نمط حداثي، وتكريسه مجرماً يتقبله المجتمع الدولي.
لمِ لا؟ مجرم بين مجرمين، ولص بين لصوص.