أغلب دول العالم، لا تخلو من قوانين منصوص عنها في الدستور، تحمي حرية الرأي والتعبير، قليل من الدول تتجاهلها، ودول لا تعبأ بها. المفارقة، في البلدان الشمولية، تُرفع شعارات الحرية والتحرّر، ويردّدها طغاة معروفون غير مشكوك باستبدادهم، فكأن الحريات بأنواعها المحرومة منها شعوبهم، مرصودة لهم وحدهم، يقولون ما يشاؤون، ويفعلون ما يشاؤون.
الأنظمة العربية، لم تشذ عن هذه القاعدة، لديها التشكيلة الملائمة لهذا النهج: المستبدون المعمّرون، والدستور المخادع، والأجهزة الأمنية. مجرّد أنهم يبحثون عن ذريعة لإخضاع الشعب، عادة يجدونها في “الأمن الوطني” ما يتيح لهم القبض على معارضيهم وزجهم في السجون.
يتيح “الأمن الوطني” للدولة الاستبدادية استخدام الضربة الاستباقية أيضاً، قرون الاستشعار تنبئهم عن خطر وشيك، ولو كان في الرؤوس، أو عبارة عن تمنيات، وربما أحلام. صحيح أننا نبالغ في الرؤوس والتمنيات والأحلام، لكن يستدعيها غموض حملات القضاء على الحريات، وغالباً لمجرد الشبهة. خاصة أنه مع الوقت، لم تعد الحكومات تكتفي بذريعة الأمن والأمان والاستقرار، باتت هناك عناوين إضافية، تصلح لوقف التفكير عند حدود لا يتعداها، طالما للحريات سقف ينتهي عندما يُعمل البشر عقولهم.
” طالما حرية الرأي إلى انحسار، فمصيرنا إلى المجهول”
تبتدع الحكومات في العالم الاتهامات الجيدة، وتمتلك القانون وأدوات العقاب، عادة السجن لترويج “التطرف” و”خطاب الكراهية” وافتعال الخلافات “على أساس الدين أو الطبقة”. ولا تُستثنى حكومات الدول الديمقراطية الليبرالية، لديها ذرائعها أيضاً التي تجرّم من يروّجون للإرهاب، ويدافعون عنه، أو يشيدون به. كما لا تعدم قوانين تجرّم إهانة دين، أو إثارة كراهية عرقية، والتشكيك بالهولوكوست، وإدانة التعصب.
ليس الخطأ في هذه العناوين البريئة والمحبذة، لكن لا يُخفى أن بعضها إن لم يكن أغلبها، وضع لغايات سياسية، كالحكم على مُدوّن روسي بالسجن خمس سنوات لترويج التطرّف، لانتقاده السياسة الروسية في أوكرانيا، أو الحكم بالسجن في الصين على كل من يروّج لاستقلال التبت بدعوى إثارة الكراهية العرقية…إلخ. كما وتستغل في الغرب في أوقات الانتخابات قضايا الإرهاب واللاجئين والأديان.
من جانب آخر، يرتهن التقدم العلمي والاقتصادي والاجتماعي لحرية التعبير في جميع مناحي الحياة. ولا يمكن للآراء القيّمة أن تحصد نتائجها، إلا في أجواء صحية من الجدل الحر. إن حرية التعبير وحدها، على سبيل المثال، تسمح بمساءلة وزارات التعليم عن تعيين خريجيين من الحزب الحاكم، أو أقارب مسؤولين متنفذين، أساتذة في الجامعة دونما كفاءة سوى وساطاتهم.
وإذا لم يكن هناك مردود فعّال يوقف هذه المهازل، فلا نتوقع إلا انخفاضاً مروّعاً في سوية التعليم. عموماً، لا تسمح السلطات الاستبدادية بهكذا مساءلات، وعلى الأغلب، لايتجرّأ صحافي في هذه الدول على طرحها.
وفي مثال آخر، تتلاعب الحكومات العربية بنتائج سياساتها الاقتصادية، فتأمر برفع أرقام الصادرات وتنزيل ارقام المستوردات، وعلى هذا المنوال نفسه، من الرفع والتنزيل في السياحة والزراعة والتعليم بذريعة ألا خطر من التفاؤل، وإغفال أن الباحثين وواضعي السياسات المستقبلية، سوف يؤسسون خططهم على معلومات خاطئة.
لا مشاحة في أن حرية الرأي، تمثل دفاع البشر العزل ضد الحكومات الفاسدة والسياسيين المرتشين، والدكتاتوريات. لذلك تكمم الأفواه، ويرسل أصحابها إلى السجون. وفي حال تساءلنا إلى أين تمضي البشرية، فالتساؤل في محله؛ طالما حرية الرأي إلى انحسار، فإلى المجهول.
-
المصدر :
- العربي الجديد