لم يتجسّد الشر في العالم، كما تجسّد في القرن الحادي والعشرين، هذا حسب محللين سياسيين، يتمتعون بقدر من البصر مع التشاؤم، ولو كان بالحد الأدنى، رأوا بأم عينهم، الغزو الأميركي للعراق، والقصف الإسرائيلي لغزة، وبشكل مجسم وبشع إعدامات “داعش”، والقتل الممنهج في سجون الأسد. بوسعنا إيراد الكثير من الأمثلة، وربما لم نكن لنتكلم عن الشر بهذه الثقة إلا لأن أخباره أصبحت مادّة يومية، وتأثير الحروب لم يعد مقتصراً على ساحات القتال، بل انتقت إلى داخل المدن والقرى والبيوت.

لا يمكن التيقن بعد من ارتفاع منسوب الشر في قرننا عما سبقه، فاعليته لم تخفت طوال القرون الماضية، أي منذ وعت الإنسانية أن الشر يهدّد وجودها. وليس من عبث القول إن القرن العشرين سجل أكبر رقم لأعداد الضحايا، مع أنه كان قرن العقل، فالحربان العالميتان أهدرتا أرواح ما يقارب ستين مليوناً من البشر.

يبدو للمتشائمين، أن لا أمل في قرننا هذا في تخفيض أعداد الضحايا. ما دام العقل نفسه هو المسيطر، ما يبشر بتزايد الشرور. فالقرن الذي ما زال في بداياته، حصد مئات الآلاف من الأهالي وتم تهجير الملايين في بلد صغير كسورية، لم يكن يحسب لها حساباً في معمعة الحروب الكبرى، طالما في القرن الفائت، كفلت مجزرة حماة استقراراً دكتاتورياً، دام أكثر من أربعين عاماً. أما هذه الحرب التي أصبحت أشبه بحرب عالمية ثالثة، فيخشى أنها استولدت الإرهاب أيضاً، ومآلها ما زال معلقاً.

” تَأمل البشرية في بقاء الخير على جدول أعمالها ليس أكثر”

لم تُجدِ حروب القرن العشرين، رغم أن البشر دفعوا تكاليفها الإنسانية الباهظة، وليس من قبيل عدم التفاؤل أن الطموح الأعمى للهيمنة على الكوكب، لا يستبعد حدوث حروب بين القارات تشارك فيها دول عظمى ودول أصبحت نووية، عندئذ لن تكون نهاية البشرية بعيدة.

لماذا تبدو الحرب الأكثر وروداً في هذا القرن؟ لا بأس بالمغامرة في الإجابة عن هذا السؤال؛ إنه العجز عن كبح جماح الشر، بالنظر إلى جاذبيته لقادة دول وسياسيين عنصريين ورجال أعمال ومافيات، يختلقون ذرائع إنسانية واقتصادية ودينية للسيطرة على العالم. ولو أن الغرب يدعي أن عقلانيته تشكل مانعاً أمام هكذا نهايات مدمرة، مع أن الواقع يقول إنه لا يمتلك المناعة الكافية إزاء طموحاته، ما دام أنه يشارك فيها، بالصمت أو التعامي عنها، لئلا تفوته منافعها.

خُلق الشر مع البشر، وحصته في النفوس أكبر من حصة الخير؛ أسلحته فعالة، ومكاسبه كبيرة، أما الخير ففي حالة دفاع عن النفس، تلاحقه الاتهامات بالسذاجة، وأيضاً بالغباء. وكل ما حاولته البشرية هو السعي لزرع الخير في النفوس بواسطة الأديان ورفده بالأخلاق، والعمل على إرسائه كغاية وهدف، من دون مقابل، مع أن المقابل مجز، يكافئ فاعله بالشعور بالرضا، وربما بالسعادة، وقد يُكرّم الإنسان الخيّر بوسام، كمقابل رمزي، ولو كان شكلياً.

في الواقع، ترك الخير لنوبات الكرم التي تصيب رجال الأعمال فيهبون الملايين للجمعيات الخيرية والمشاريع الثقافية والجامعات ومختبرات العلاج من الأوبئة والأمراض المستعصية ومكافحة الفقر والجوع.

العالم ليس نظيفاً من الشرور، ولئلا نتفاءل، يطفح بها، ومحاولات اجتثاثها مُنيت بالفشل الذريع، ليس هناك حل نهائي لهذه المعضلة الأزلية، ولا حتى مؤقتة، الأجدى ألا ندعها تتفاقم، وإبقاء الصراع مع الشر مستمراً.

تأمل الإنسانية في بقاء الخير على جدول أعمالها، وحمايته بالقوانين الرادعة، وقدر من الأخلاق مع أنها تتبدل من زمن لآخر. ما يسمح للبشر بالعيش بقدر معقول من السلام، مع شرور متواضعة تعكر صفو الحياة، لكنها لا تقضي عليها.

اقــرأ أيضاً