انتهى عام 2019 وسلاحا الطيران الروسي والسوري يدكّان قرى إدلب، والأهالي ينزحون إلى العراء، يبحثون لهم عن مأوى تحت أشجار الزيتون، وبدأ عام 2020 وسلاحا الطيران الروسي والسوري يدكّان قرى أدلب، بينما تابع النازحون نزوحهم، ولو أنه لم يعد لهم مكان في العراء تحت أشجار الزيتون. بالنسبة إلى السوريين لن يكون 2020 عاماً جديداً، الآمال منه معدومة، لا ينتظرون مفاجأة، صمودهم هو الأمل، بينما النظام يتآكل من الداخل، لا من الخارج.

بعد ثماني سنوات ويزيد، تجاوزت المأساة السورية كل ما هو ممنوع ومدان دولياً، هذه سابقة ستحتذى، بعدما أثبتت أنها تجربة ناجحة، لم تأبه بردود الفعل الدولية الحانقة. في الواقع، لم يُؤخذ بالاعتبار ما يتعرّض له السوريّون من جميع أنواع الجرائم، من الاعتقال إلى الموت تحت التعذيب، ويشمل القتل الجماعي، ما يفسح مجالاً للإبادة، وبلا أضرار جدية أصابت النظام، حتى الحصار الأميركي مؤخّراً يدفع ثمنه الشعب في الداخل.

” مأساة لا حدود لها ولا خطوط حمراء أو رمادية”

الحاصل، يمكن وصفها بالمأساة النموذجية في القرن الواحد والعشرين، مأساة لا حدود لها، ولا خطوط حمراء، أو رمادية، ما دام السلاح الكيميائي أدى إلى اتفاق براغماتي، ذرّاً للرماد في العيون، ما أرضى أميركا أوباما وروسيا بوتين. لا شيء كان يدور في الخفاء، فتحت عنوان “الحرب ضد الإرهاب”، مارس الدعم الروسي الإيراني همجيته الوحشية في حرق الأخضر واليابس، مُبَاركاً بوقاحة النظام، ولامبالاة المجتمع الدولي الفعلية، بينما اللفظية من بيانات واستنكارات، فكانت مهزلة.

يمثّل المشهد بكل جلاء حرباً إرهابية ضد السوريّين، وهي درس للحكام والشعوب الأخرى في العالم، فالنظام الدولي يحظر التلاعب بأنظمة الدول، وحده هو الذي يُغيّر على خطى ألّا يتغيّر. هذه المنظومة تحذّر الشعوب؛ لن ينقذكم أحد، ولن يساعدكم أحد، ليس أمامكم سوى الاعتراف بالحاكم، حاكماً أوحد، سواء كان دكتاتوراً أو سفاحاً أو لصاً، هذا يؤدّي إلى هذا، لا فارق بينهم، وإن كانت اللغة مختلفة، لكن الفعل واحد.

فحوى هذه الفانتازيا تتبدّى في العودة إلى ما كانت الأمور عليه، تظهر في مبادرة النظام السوري إلى تلميع صورته البشعة بسلسلة من الأكاذيب، ما دام هناك من يأخذ التهريج على أنه سياسة حاذقة، فتأهيله جار على قدم وساق، ما يعد بمسرحيات متشائمة، يقوم بها جهاز للحكم كان سافلاً على الدوام، يزعم عودة السلام لشعب، الملايين منه لاجئون في بلدان العالم، ونازحون داخل البلاد. وأربع دول تتقاسم ثرواته، وموقعه الاستراتيجي.

قد ينزاح البصر عن مأساة تكرّر نفسها من سيئ إلى أسوأ، وتنشد الأبصار إلى سوريّين أصبحوا بندقية للإيجار، أي مرتزقة، لا يجوز تشبيههم بفاغنر الروسية، لئلا يُرفع من شأنهم، إنهم يفتقدون الاعتراف الدولي، عدا أنهم سيقاتلون في ليبيا ربما ضد فاغنر الروسية أيضاً، قد يخطر للبعض أنهم ينشدون الثراء السريع، لقاء حفنة من الدولارات، ولا يخطر لهم أن هذا الثراء العريض قد يُرسل الجزء الأكبر منه لعائلته، لدفع إيجار منزل في الوطن نفسه أو في بلد اللجوء.

وبما أن سوء الظن من حسن الفطن، لا ريب، سيصرف المرتزق السوري هذه الدولارات على ملذاته الشخصية، لكنها لا تكفي لافتتاح مطعم راق في إسطنبول، فالفصيل المقاتل الأكبر قدّم أنموذجاً مروّعاً على حسن استخدام الأموال المنهوبة… تُرى هل هناك من جهة قادرة على محاسبته؛ من أين لك هذا؟ غالباً لا، فالنظام ابتدع النهب الحلال، وابتدع مؤخّراً النهب الحلال المعاكس، تبرئة للناهبين، وسماحاً لهم بمواصلة النهب. أمّا المنهوبون فيا لبؤسهم، الدور نفسه، منهوبون مع التضييق على لقمة العيش والدفء والكهرباء.

المأساة السورية لم تعد تثير غضب العالم، باتت تثير إعجابه، فالحاكم الحازم لم يوفّر جريمة لم يرتكبها، ودمّر بلداً ورثه عن أبيه، حفاظاً على النظام. أمّا الشعب، فيستحق مصيره، فالمظاهرات خرجت من المساجد، وهي وصمة ما بعدها وصمة، ولا عذر لهم، وإن كانت الخمارات والكراخانات والكازينوهات ودور اللهو لا تتسع لهذا الكم الهائل من المحتجين، ثم إن ما حصل لم يكن ثورة، لخلوها من السان كيلوت والبلاشفة والمناشفة، ولا يتوفّر فيها بروبسبير ولا لينين. إنها مجرّد زلزال قد يحدث في إندونيسيا أو أميركا.

ليس عاماً جديداً ولا سعيداً… لكن ولكي نتفاءل نقول: عام آخر في علم الغيب.