في حواره مع الرئيس الأميركي مؤخراً، يتذكر الصحافي غولدبيرغ مشهداً من الجزء الثالث لفيلم “العراب”، عندما تذمر مايكل كورليون غاضباً من فشله في التخلص من قبضة المافيا، يستعيد هذا المشهد في معرض تشبيهه المحاولات المُخفقة لأوباما في التهرّب من أزمات “الشرق الأوسط”، بترديد عبارة آل باتشينو: “بمجرد ما ظننت أني خرجت منها” فيكمل أوباما من الفيلم نفسه: “تجرّك إليها من جديد”.
الاستشهادات بالأعمال الدرامية باتت كثيرة الورود في أحاديث الناس. للسينما وللدراما التلفزيونية حضور يومي، أصبحا دونما مبالغة جزءاً من ثقافة البشر. فتحصيل الثقافة لم يعد منابعه يقتصر على المدارس والجامعات والكتب. أصبح الناس يستمدّون معارفهم أيضاً، وربما خبراتهم، مما يرونه على الشاشتين الصغيرة والكبيرة. وبات مألوفاً تداول ما شهدوه من مواقف، وما سمعوه من حوارات.
نحا صنّاع الدراما الأوائل في البلاد العربية على التعامل بجدية مع الدراما، اعتبروا الرواية مصدراً رصيناً فاستعانوا بها، وحاولوا في سورية نقلها إلى الشاشة، فظهرت رواية “الله والفقر” للكاتب صدقي إسماعيل على الشاشة الصغيرة، تحت عنوان “أسعد الوراق”، كذلك روايات حنا مينه “نهاية رجل شجاع” و”بقايا صور”، وغيرها من الروايات. إضافة إلى انخراط كتّاب سوريين في كتابة الدراما التلفزيونية، لكونها تدرّ مالاً بالمقارنة مع الأدب الذي لا يدرّ شيئاً، ما شجع الكتاب على المزاوجة بينهما، فربحهم التلفزيون ولم يخسرهم الأدب.
جاء جيل اقتصر على كتابة السيناريو من دون الاستعانة بالرواية. وبرع فيه، ما أكد على استقلاليته عن الأدب بأنواعه. ففي العالم هناك تيار قوي في الكتابة الدرامية يصرّ على كتابة العمل في الأصل للسينما أو التلفزيون لاختلاف منطق السرد بينهما، وكان في الاقبال على المسلسلات شهادة على نجاحها جماهيرياً، واحتلالها حيزاً مرموقاً في القنوات الفضائية.
لم تعد هناك حاجة للرواية كمصدر للتجديد والتنويع عن الأنماط السائدة، وإن شكلت عامل تنبيه إلى الموضوعات الحساسة والمنعطفات التاريخية اللافتة، أو اقتباس شيء منها.. لا أكثر. لم يتجاوز الاستئناس بها هذا المفهوم السطحي، بدلاً من وضعها في الاعتبار كرافد إضافي. فانصرفت الدراما إلى اجترار موضوعاتها، تلبية لارتفاع الطلب عليها، فاستنسخت أعمالاً شهدت سابقاً إقبالاً عليها.
باتت الدراما رهينة التشويق المفتعل والتطويل الممل والتكرار والثرثرة. وكان فخّ الأعمال التاريخية، والحارة الشامية، ورومنسيات الغرام المائعة… إلخ، مؤاتياً لسوية هابطة سُوِّغت تحت زعم وصفة النجاح المجرّبة.
في مجتمعات تندر فيها القراءة، بات المتفرّج العربي يستقي قدراً من معلوماته من الدراما، فتعرف في نماذج الحارة الشامية المختلقة في الاستوديو على المجتمع السوري في الثلاثينيات، والحدث التاريخي الإسلامي من المسلسلات ذات التوجهات الأيديولوجية، أما الأمجاد المفبركة فمن فانتازيات لا تمت للماضي بصلة. والمؤسف أن علاقتها أوثق بالتحريف لا التعريف، طالما الإحساس بالمسؤولية غائب.
اقــرأ أيضاً
-
المصدر :
- العربي الجديد