لا يقيم السوريون وزناً لوجهاء العالم، على الرغم من بؤسهم، وما أصابهم من نوائب، ليس للدهر صلة بها، فساسة العالم المتشدقون بالحريات وحقوق الإنسان، أفقدوهم الثقة بالتعاضد الإنساني، بتغافلهم عن الخطوط الكيماوية الحمراء، وإن شككوا بهم قبلها، بعدما باتت في عهدة كافكاوية محاكم العدالة الجنائية الدولية، لتضيع في كواليسها، فاستسهل النظام القتل بالكيماوي، طالما بوتين مستعجل على إنهاء الحرب السورية.

ترى من أين يأتي الغرب بجهابذة سياسييه الانتهازيين، بينما تعج جامعاته بحملة الفكر الحر، ويمتلئ تاريخه بالعباقرة من رواد الإنسانية، صانعي التنوير والنهضة والتقدم والحضارة، الذين زرعوا الإحساس بعالم جميل يحلو العيش فيه. في حين برع سياسيوه في تشويهه، وتحويله إلى مكان قبيح، تحلو النجاة منه.

لم توفر السياسة جهداً في تجميل رجل مثل وزير الخارجية الروسي لافروف، فكان حسب التقييمات الدبلوماسية الدولية، واحداً من أبرع وزراء الخارجية في العالم، أثبت في دفاعه عن المصالح الروسية قدرة هائلة، لا سيما في الأزمة السورية. لكن ماذا عن مصلحة شعب بأسره؟

“من أين يأتي الغرب بجهابذة سياسييه الانتهازيين، بينما يعج بحملة الفكر الحر”

لذلك لا غرابة في ألا يراه السوريون أكثر من بلطجي متغطرس كذاب، يذكرهم بمفوضي الشعب في زمن ستالين أولئك الذين اتهموا واعتقلوا وحاكموا وقتلوا وهجّروا ونفوا مئات الآلاف تحت ظلال أيديولوجية شيوعية بررت الجرائم بالحتمية التاريخية. أما لافروف فيهدد ويتوعد تحت ظلال دولة مافياوية تستلهم ماضي الـ ك.ج.ب وتسعى إلى استعادته لإحكام سيطرتها على دولة تحررت من الطغيان لتعيدها إليه.

المؤكد ألا علاقة لتاريخ بلدانهم بهؤلاء المعاقين عن فعل قدر ضئيل من الخير لشعوب بلدان ترسف في الطغيان. وما تساؤلات السوريين التي تعبّر عن سذاجة، إلا نتيجة عدم خبرتهم بالسياسة، فقد استيقظوا متأخرين، لو أجالوا النظر عميقاً في التاريخ القريب، لرأوا مجانين السلطة يتحكمون بالعالم ويقودونه إلى حربين عالميتين، وإلا ماذا ندعو هتلر وموسوليني وستالين.

هل كان العالم بحاجة إليهم؟ إن كان، فلتدمير الحضارة، ومثلهم صانعو الأيديولوجيات القاتلة من محترفي ثورات أثمرت عبادة الفرد. أما وجهاء التاريخ في منطقتنا، فتعج بالكثيرين، أكثرهم انفضاحاً الانقلابي المصري، والسفاح السوري، وأولئك المتحذلقون فوق منابر الأمم المتحدة.

ينظر السوريون إلى النظام الذي ثاروا عليه على أنه عصابة من اللصوص، نظرتهم هذه وليدة استنتاجات واقعية، فإذا كانت عصابة تحكم سورية، فلا بد أن تشد من أزرها وتساندها عصابة تحكم روسيا، وعصابة تدعي التدين تحكم إيران، ما يجعلهم يعتقدون أن دول العالم إن لم تحكمها عصابات مماثلة، فهذا النمط على وشك التعميم ليكونوا على سوية مناخ لا يمكن التفاهم فيه إلا بمنطق المافيات.

لا شك في بلوغ السياسة أحط درجاتها وأدنى مستوياتها، وقد يستحيل تقدير الزمن اللازم لتأهيل سياسيي العالم على تفهم مهنة تحتاج إلى قدر أقل من القذارة، بحيث لا يتساوون مع القتلة.