الشهرة كالحظ تصادف الإنسان عرَضاً، وربّما كانت مكافأة على ما بذله من جهد لتحقيق ما يطمح إليه. وأحياناً لا تقلّ عن مرض عضال، يُسعى إليه. في النهاية تتساوى سواء كانت على مستوى محلّي أو عالمي، فالهدف يتناسب مع أحجام البشر وتطلّعاتهم، وعلى الأغلب لا تُستثنى وسيلة للظفر بها، فالشهرة تشرّع المحرّمات. طالما الطلب عليها أشبه بالهوَس، إن لم يكن الهوَس نفسه.
في القرن الماضي اتّسعت دوائرها، وأصبح لكل مجال مشاهيره في دنيا المال والأعمال والعلم والفكر والأدب والفن والرياضة والشطرنج والأزياء والعطور… كذلك الاهتمام بالقضايا العامة كالبيئة والمرأة والحريّة والسلام. ديمومة الشهرة تحتاج إلى وقود، وتتطلّب الجهد والصناعة والادّعاء. وفي الرؤساء مثال حيّ على أمراضها المستعصية، فهؤلاء يستيقظون صباحاً على رؤية صورهم تملأ صفحات الجرائد، ونشرات الأخبار تشيد بإنجازاتهم، والصحافة تتعقّب تحركاتهم اليومية، وتثني على ما يفعلونه، مهما كان تافهاً، وتحلّل ما يقولونه، مهما كان سخيفاً.
إن لم يتكرّر هذا السيناريو اليومي، يصبّون جام غضبهم على أجهزة اصطُنعت لهذا الغرض، فظلُّ الرئيسِ يجب أن ينبسط على رُقعة تقدّر بما يزيد عن مساحة الوطن، وتحجب الرؤية عن أي شيء عداه.
بيد أن الشهرة زائلة، إنها هبة لفترة محدودة. قد تدوم إذا كانت خيراً على البشرية، وتدوم أيضاً بدوام الشر وما خلّفه من ضحايا. كثيراً ما حذّر التاريخ من الطغاة والطغيان، فلم ينفع أو يثمر. لدى الحياة طاقة على إنجاب نماذج شريرة، كان لها الحصة الكبرى في تشويه العالم، فالشهرة ترتبط بالسفّاحين ومجانين السلطة أيضاً.
” في زمن الحرب، تُكتسب الشهرة بتخريب المدن”
وإذا كان حظ الطغاة والغزاة من الشهرة كبيراً، فلأن جشعهم إليها بلا حدود، مع هذا كانت حصص العلماء والمفكّرين أكبر، فالتاريخ يسبغ عليهم المجد، مع أنهم لا يسعون إليه، بقدر ما يسعى إليهم. الشهرة مساحتها الزمن الحالي. أما المجد فيتجاوزه إلى الأزمنة القادمة.
تدفع الشهرة الطامحين إليها إلى بذل أقصى طاقاتهم في سبيلها، حتى لو كلّفتهم حياتهم، ورغم الإقبال عليها لا تحظى بتقدير الفلاسفة، فهؤلاء القانعون يعتقدون أن “حبّ الشهرة أعلى درجات التفاهة” حسب قولٍ لجورج سانتيانا.
في زمن الحرب، تُكتسب الشهرة بتخريب المدن، ودكّ المستشفيات، وقطع الرؤوس والأيدي… هناك من التقط الصور التذكارية لإطلاقه الرصاص على أسرى عزّل، أو عذّب متظاهرين حتى الموت؛ القتل والدمار الحاصلان يناظران الوحشية التي اجترحتها الأزمنة الهمجيّة؛ عندما كان قائد عسكري يقتحم مدينة بعد حصار طويل، ويأمر جنوده بنهبها واغتصاب نسائها وقتل رجالها وأطفالها.
فما الذي تغيّر في هذا الزمن الذي تنهب فيه المدن والقرى وتغتصب النساء ويقتل البشر بالآلاف؟ ما الذي يميّز زمننا المتحضّر عن الزمن الهمجي؟ ألا يتفوّق عليه بالخراب والموت؟ وما الجدوى إذا كان العالم يعرف أو لا يعرف، ما دام لا يفعل شيئاً؟
-
المصدر :
- العربي الجديد