أظهرت الأسابيع القليلة الماضية، أن الغرب يروّج لنمطين متناقضين حول تصوراته للدولة الإسلامية، من ناحية يبالغ في قوتها إلى حد يمكن النظر إليها كدولة عظمى. ومن ناحية أخرى، يستخف بها إلى حد القول إن الضربات المحدودة الأخيرة أكدت هشاشتها. وفي الحالتين يورد الدلائل على وحشيتها، وهو ما تستثمره “داعش” بكفاءة وتستغل تأثيراته، نظراً إلى تزايد تعداد قواتها، وخبراتها الحربية، وتمرسها القتالي، ما أدى إلى احتلال مساحات شاسعة من الأرض تعادل مساحة بريطانيا، وما تمثله هذه المساحة من موارد طبيعية ثرية بالبترول والقمح والقطن… ومن الممكن بحالتها الحاضرة هذه أن تعتبر أغنى تنظيم مسلح في العالم. وبالنظر إلى ما بعد، فلنأخذ بالاعتبار خريطة تظهر مستقبل حدود الدولة الإسلامية، من الغرب البحر الأبيض المتوسط ، وتركيا من الشمال، وإيران من الشرق، والسعودية وشبه جزيرة سيناء من الجنوب. دولة تضم سورية والعراق والأردن وفلسطين المحتلة ولبنان، ومن دول الخليج الكويت فقط!! إضافة إلى ما تملكه من أسلحة متطورة تفيض عن حاجتها استولت عليها من مخازن الجيش العراقي، ومن قبل في سورية.
الأحداث الأخيرة حسب مسؤول مخابراتي أمريكي، أثبتت أن تنظيم “داعش” المتطرف ليس تنظيماً لا يقهر، الغارات الجوية الأمريكية حدت من زخم اندفاعته، وكشفت عن نواحي ضعفه، أمام عمل عسكري مشترك ومنسق، حتى أنه اختفى في بعض المناطق بفعل خسائره الكبيرة. ترى هل هذه الصورة على أرض المعركة، دفعت الرئيس أوباما إلى القول إن بلاده تعتزم قتال الدولة الإسلامية إلى أن تتلاشى قوتها في الشرق الأوسط؟ في تصريحاته أيضاً يتحجّج بأن القضاء على “داعش” سيستغرق وقتاً بسبب الحاجة إلى بناء تحالفات تشمل المجتمعات السنّية المحلية، ودول المنطقة والعالم. وإن كان من طرف آخر، يخفف من تهديد داعش لأمريكا، بالقول إن الخطر الأساسي بالدرجة الأولى هو على العراق ودول المنطقة. وذلك بالتوازي مع تصريحات أمريكية تقول؛ لا أدلة موثوقة على أن مقاتلي داعش يخططون لشن هجوم وشيك على الولايات المتحدة. هدف أمريكا المعلن إضعاف وتدمير “داعش” بحيث لا تعود خطراً على أحد، بالاعتماد على خطط ذكية.
لا شك في أن أمريكا الحائرة عازمة فعلاً على حرب محدودة ضمن تحالف دولي، لكن خطط أوباما تبدو غير مفهومة، بميلانها إلى أكثر من اتجاه، فهو لم يحدّد حتى الآن هل سيعمل على إبعاد خطر الدولة الإسلامية عن الغرب، طبعاً إسرائيل ضمن الخريطة الغربية، لا سيما وأنها مهيأة للانتشار في العالم. أم الهدف استئصالها؟ أوباما لم يخف افتقاده لاستراتيجية أمريكية للتعامل الميداني مع الإرهاب، ما أخضع العملية المقبلة إلى زمن مفتوح غير محدد. إن إطالة فترة الاستعداد لحرب قيل إنها طويلة يشكل خطراُ ليس على العراق أو سورية فقط، بل أبعد من المنطقة، خاصة مع اعتياد أوباما على الإمعان في التفكير، والتمهّل في اتخاذ القرارات، واتباع الحذر الشديد في التحرك، وليس من الغرابة، بفعل التردد الذي يلازمه، التراجع عما اتخذه، حتى أن الآمال باتت تنعقد على داعش في القضاء عليها، لتورطها الجنوني في ارتكاب المزيد من الجرائم الهمجية، لتردع أوباما عن التدخل، فإذا بها تقطع عليه خط الرجعة.
يدرك الغرب أن العالم مترابط ومشدود إلى بعضه بعضاً، لذا لا يقتصرالأمان على بلد دون آخر، ولا خيار في مكافحة الإرهاب، ففي إنقاذ الآخرين، إنقاذ لهم أيضاً من خطرلا محالة سيعم العالم، ما دام هناك شبكة متكاملة تساهم في ضخ الجهاديين من مختلف بلدان العالم إلى العراق وسورية، إن لم يجدوا لهم متنفساً فيهما، فلن يتأخروا عن تفجير أنفسهم في البلدان المتواجدين فيها. الإرهاب مشكلة دولية تدور حول الغبن الذي تتعرض له شعوب تفرز جماعات يائسة، حتى في البلدان الغربية، التي لا تفتقر إلى ناقمين يظنون أن القتل يعيد إليهم كرامتهم، والرد على ما نالهم من عسف في ديار الكفر؛ أجلى مظاهره، التمييز واللاتكافؤ وانعدام الفرص. تعتقد أن تغيير العالم لا يتم إلا بالذبح. إذا كانت اليوم تستعين بالأديان، ففي السابق استثمرت شعارات المساواة والعدالة، ولن يحرمها المستقبل مما تستعين به في حال توافر الظلم ذلك العنصر الذي هو الخطر الأكبر.
-
المصدر :
- المدن