يفهم مما بدا من استراتيجية أوباما في الحرب على الإرهاب، قبل أن يتحدّد شكلها النهائي، فهي مازالت في طور التبلور، أنها قد تمتد إلى نهاية عهده، أي لن تطول أكثر من عامين. تلتها تسريبات وتعديلات، فامتدت وأصبحت أربع سنوات إلى عهد الرئيس القادم، ثم إلى نهاية عهده. حالياً، تجاوزتها إلى الرئيس ما بعد القادم. ما يعنى أن ذيول الحرب ستستمرّ بضع سنوات. ومن الطبيعي أن تتضمّن الاستراتيجية ترتيبات تشمل المنطقة كلها، تكلّف الأمريكان حشد بوارجهم وطائراتهم والتمركز في قواعد عسكرية قريبة والاستقرار فيها، ما يشكل ضماناً لاستقرار أنظمة لن تخضع للمتغيرات إلا حسب تقديراتهم، بعد ذلك تتم بالتدريج مأساة الانتقال الديمقراطي، من خلال جراحات متنوعة تجري تحت إشرافهم. ذلك أن أي تغيير شعبي سيقود إلى الإرهاب. أما بالنسبة للمتغيرات التي تنوي بعض الدول القيام بها، فباستئذان الأمريكان وتحت رقابتهم، احتياطاً من تداعيات تذهب بها الى الفوضى. لن تترك أقدار المنطقة لأصحابها المتشبثين بخلافاتهم المذهبية، جاعلين منها أكثر الأسلحة فاعلية في تحقيق مآربهم السياسية.

لا يمكن إنكار تشاؤمية هذه النظرة إلى مستقبل هذه البلدان، كما لا يمكن إنكار أنها أقرب إلى الحقيقة، على الرغم من غرابتها التي يستدعيها الغموض المحيط بهذه الحرب، والتي تطال “داعش” سواء في نشأتها، أو في هيمنتها على ثلث مساحة سورية، واستيلائها على نفط يدرّ عليها يومياً 2 مليون دولار، واجتياحها العراق، وانهيار الجيش العراقي. في مقابل الاستراتيجية الأمريكية التي تتوسع من يوم لآخر، وربما تتخبط، ترافقها التأكيدات على أن بدء المعركة لن تتأخر أكثر من شهر، لن تقتصر على العراق، الضربات الجوية ستنال من “داعش” أيضاً في الداخل السوري. المعركة أخذ يسبقها ارتفاع التهويل في الاستعدادات والتحضيرات وطلبات المشاركة والدعم على الأرض وفي الجو. الزمن الذي ستأخذه الحرب بات من فرط حساباتها وتعقيداتها يقدّر بالعقود لا بالسنوات كي تتمكن أمريكا من الوفاء بالتزاماتها وتعهداتها… كأنها ستخوض حرباً عالمية ثالثة ضد تحالف دولي مارق، لا منظمة من الإرهابيين، لم يكن إرهابها الوبيل إلا من التقاعس عن محاربتها.

رغم تحالف وتجنيد القوى لا يتوقع السوريون الكثير من الأمريكان بخصوص أزمتهم التي قاربت أربع سنوات، إذا كان هذا التهويل سيستمرّ، فلا حاجة لأكثر منه، نتائجه قد تكون مضمونة، سيعيد مأثرة ما حصلوا عليه بالضغط، بوضع المنطقة على شفير الحرب، فظفرت بصفقة الكيميائي، وإلا حسب محللين، لماذا تتلاحق التصريحات والتهديدات والتأجيلات بالنسبة للنظام السوري، إن لم يكن بهدف التوقف عند لحظة أخيرة فارقة، والتعويض عنه، بالتعاون معه؟

هذه الضغوط لن يعبأ بها النظام، طالما أنه مطمئن إلى أن سقف ما سوف يتعرّض إليه هو دفعه نحو الحل السياسي، ويعرف أنها موجهة بالدرجة الأولى إلى الروس والإيرانيين، بالتهديد بحرب طويلة الأمد، ما يضطرهم إلى تحمل أعبائها ولو كانوا بعيدين عنها، طالما أنهم يدعمون النظام بتحمل تكاليف بقائه. لن يوقف الحرب ضد النظام سواهما، لعدم قدرتهما على تحمل أعباء تأجيل الحل السياسي إلى ما لانهاية. والمتوقع قبول الأمريكان بأي تسوية معقولة للنجاة من المستنقع السوري. لذلك لم تكن التطمينات الأمريكية والاعتذار عن التخلي عن المعارضة في حربها ضد “داعش” طوال العامين الماضيين، سوى كلام لم يبدّد خيبة السوريين.

المراوغة الامريكية فضيحة دولية، وتصريحات الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته وسيلة لرد الاعتبار لسياسة لا مصداقية لها. وما المساعدات الموعودة بها المعارضة سوى أن الأمريكان يريدون الظهور بأنهم يعملون، وليسوا غائبين عما يحدث، ريثما يقنع الروس والإيرانيون شريكهم السوري بالقبول بحل للأزمة السورية المستعصية، وهو حلّ قد يطول، سنوات أو عقود، إن لم توضع له أجندة زمنية واضحة. هذا ما يتنبأ به السوريون ومعهم رهط من المحللين السياسيين، سياسات أوباما لا يوثق بها.

وريثما ينفد صبر الامريكان ويقتنعون بما هم مقتنعون به، ويسعون إليه، ربما الوقت القادم أسرع، كي يتعللوا بما قاله زائر للنصب التذكاري لضحايا التاسع من أيلول (سبتمبر) أخيراً: يجب ألا نتدخل في شؤون الآخرين، لقد كنا في الشرق الأوسط أكثر من مرة، فماذا حققنا؟