المهمة العاجلة للحرب الدائرة اليوم هي القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية في المناطق التي بسطت سيطرتها عليها في سورية والعراق. المحاولات تجري على ألا تتخطى الحرب حدود أرض المعارك. “داعش” اخلت مواقعها الظاهرة في الرقة والموصل، وذاب رجالها في المدن والقرى. في الوقت نفسه واصلت هجومها على عين العرب، وكما يبدو تعمل جاهدة على كسر الحصار المضروب حولها، على الرغم من المراقبة المستمرّة بالأقمار الصناعية وطائرات التجسّس وعملاء التحالف وغيرهم. بينما يعمل التحالف على تضييق رقعة الحرب، وألا تمتد إلى بلدان الجوار. توسع “داعش” يؤدي الى بعثرة القتال والجهد الحربي والإغاثي.

خرق الحصار انتصار لـ”داعش”، حتى لو كان باتجاه تركيا التي بادرت إلى الامتناع عن مؤازرة التحالف، أو على الأغلب تقليص مشاركتها فيه الى الحد الأدنى، فـ”داعش” لا تنوي احتلال أراض تركية، بقدر ما تريد تسجيل انتصار إعلامي، بضرب المصالح الغربية في الداخل التركي، ما يشكل رداً سريعاً على قصف طيران التحالف لمواقعها، هذا أحد أسباب غض النظر عن مشاركة تركيا الفعالة.

الاهتمام بالحرب على أشده، الأمريكان يريدون تحقيق نصر سريع ولو كان إعلامياً، ربما تحقق في ضرب معقل “خورسان”، الذي ظهر فجأة على أنه أخطر من “داعش”، كتبرير لدخول حرب كانوا يمانعون فيها، يسوغ تورّطهم فيها ولسنوات قادمة، لمجرّد أنهم ذهبوا إليها بعد طول تردّد، وخسارة الكثير من الوقت. فـ”داعش” التي استجرّتها للحرب اتخذت حذرها، ولديها البديل؛ حرب عصابات لن تفلح فيها ضربات الطيران، ولا مشاركة المتحالفين معها.

المشكلة أنه لا يمكن للأمريكان أن يدخلوا حرباً ليخسروها، وإنما لينسحبوا منها، لكن ليس بدون إبداء الأسباب، لذلك يبالغ أوباما في قوة “داعش” وتعداد مقاتليها، وأسلحتها المتطورة، وقدرات أجهزتها الإعلامية؛ مبالغة تستغلها “داعش” في تصعيد العنف، وممارسة المزيد من الإرهاب، ما دام هناك من يرى ويسمع، أصواتهم تصل إلى القارات كلها، موثقة بالفيديوهات. يأمل أوباما أن تساعده المبالغة على طلب المزيد من الذين يأملون من الحرب منافع ترتدّ عليهم داخل بلدانهم وخارجها، سعوا إليها متضامنين، بعد تفويت أكثر من فرصة أضاعوها متفرّقين. فلا عجب أن الحديث يدور عن حرب تدوم سنوات، لا بضعة أيام.

الفرص الحقيقية التي فاتت المتحالفين أكثر من أن تحصى، ترى هل تستدرك قبل أن تصل “داعش” إلى عقر بلدانهم؟ هذا ما يجري العمل عليه، خاصة وأن الحرب تزيد عن قصة الإرهاب محور اجتماعات الأمم المتحدة، إلى ترتيب أوضاع المنطقة على نحو ينزع الأسلحة والحجج من المتمرّدين ضد أنظمة كادت أن تحظى بمتغيرات إيجابية في الربيع العربي. ما يطمح إليه الآن، ألا يكون الربيع من الفصول الأربعة.

هذه الحرب ليست لإنقاذ سورية على الإطلاق. القرار؛ سورية ساحة قتال، تبرّعت بها، أما الضحايا المدنيين فحصّتها من المشاركة. يتبدّى هذا في حصار “داعش” ومنعها من التسلل خارجها، وعدم السماح بعودة الجهاديين إلى البلاد التي خرجوا منها، حتى الذين تابوا عن الجهاد.

سورية حتى الآن غير موعودة بشيء، هذا ما توضحه التصريحات المراوغة، وما يرسم لها في دوائر القرار، وما يجهد في إخفائه. لم يُعطَ السوريون أملاً ولا وعداً بوقف إطلاق النار، أو عودة النازحين إلى بيوتهم. الحلّ السياسي لم يلق أي تجاوب من النظام، وتجاهله الروس والإيرانيون، لم يلجؤوا إليه إلا للتهرّب من وضع حدّ للأزمة، وتوافقوا على إبقاء سورية تحت وصايتهم، ورقة إقليمية، المثال الساطع كان في “جنيف”، لم يكن العمل على حلّ سياسي بلا أنياب، وإنما إلى لا حلّ، بإبقاء القصف والتهجير على حاله.

إن لم تلزم هذه الحرب المتحالفين بنهاية للمأساة السورية، فهذا لا يعني سوى أنه خطط لها على أن يجني ثمارها الآمنون في بلدانهم، لا السوريون المنتهكون في بلدهم، بينما تضيق بهم أرض الله الواسعة، فيلاقون حتفهم غرقاً في البحار، أو يتماوتون في الخيام. أما في لبنان الجار، فيتبارى الأشقاء بعنصرية انتهازية، في إيقاع الأذى والإهانة بهم. هذا زمنها، مادام العالم ابتلع اقتلاعهم من أرضهم، ألا يتضاءل إزاءها الدعس بالأقدام على شبان مقيدين طرحوا أرضاً؟

إن لم يظفر السوريون بحلّ سياسي عادل، ليس الذي كان محور خداع الديبلوماسية العالمية طوال نحو أربع سنوات، حل سياسي عادل يحترم تضحياتهم، وحقهم في دولة مدنية، يتساوى أفرادها أمام القانون، فالداعشيون وأمثالهم، وعلى منوالهم، جهاديون، أو حتى ملاحدة بلا دين، لن يكفوا عن التناسل والقتال والانتحار.