ترى ما الحيّز الذي تحتله المرأة في الرواية؟ قبل ذلك، لئلا تخدعنا العملية الروائية، سوف نختزلها منعاً للمبالغة مع ما في التبسيط من ضرر، باعتبارها عالماً مصغراً، إذ لا متسع للعالم كله نضرب حوله طوقاً زمنياً.

عدا ذلك، فالتداعيات كفيلة بتوسيع بؤرة تبدو محكمة، وهي غير محكمة، ما يسهل علينا اختراق الأزمنة والأمكنة، وتفكيك الطوق المضروب، رغم قدرتنا المحدودة على حفر مجرى في عالم معقد، لا يمكن الإبحار فيه دونما عوائق.

يتقاسم أبطال الرواية هذا الحيّز الضيّق، والفسيح على الورق، في داخله يتصارعون ويتقاتلون، ويتبادلون الحب والكراهية.. على رقعة مهما تبدلت، صغرت أو كبرت، في كوكبنا المضطرب، تخيم عليه الدعة أو تهيمن الحروب، أو فاصل من الهدن. في بلادي مثلاً، تحت علم الاستبداد، يتغلّب الفقر والحاجة والعسكر والمخابرات والانقلابات.. إن خلت الرواية من سجن أو محقق، افتقدت المنطق، إذ لكل بلد مفرداته.

أما الروايات الغربية فلا يستهجن خلوها مما يعتبر لدينا لازمة لا محيد عنها، فالغرب بعد انتهاء الحرب الباردة وما خلفته حربان عالميتان من مآس، التزم بتأمين الرفاهية والجسد والجنس بأنواعها العادية وغير العادية، وهي القديمة نفسها، عمل على تجديدها تحت راية الحداثة.

“تحت علم الاستبداد، تفتقد الرواية المنطق إن خلت من سجن أو محقق”

بالعودة إلى الداخل الروائي، لا بد من توفر النساء، فالحب يأخذ شطراً من الرواية، إن لم يكن هو موضوعها، تتقاسم المرأة الرواية مع الرجل كما في الحياة. إذا أردنا الاستعانة بالثلاثي المعتمد في مسرحيات الفودفيل الفرنسية، ما يوفر مواقف مثيرة حافلة بالإغراء، نضع امرأة جميلة وذكية، إلى جوارها زوج ممل، يساعدنا أكثر إن كان هرماً، إضافة إلى شاب وسيم، حلو الحديث ومتحذلق.

بخصوص الأحداث، البيئة البرجوازية المدانة من اليسار، تسمح بالخيانة والتهتك، والعلاقات المبنية على المصلحة. وبما أن المرأة كبش الفداء، فالوهم يصور لها الخلاص من ترف الجحيم البرجوازي بعلاقة حب حقيقية، فتهجر الزوج وتلتحق بعشيق يتنكر لها، فإذا بالعلاقة زائفة.

هذا الترتيب احتكرته العلاقات الإنسانية في الزمن البرجوازي، لم يتغير في الزمن اليساري الاشتراكي والشيوعي. حافظ الرجل على إخلاصه لتقاليد المجتمع القديم، الحب بقي نزوة في حياته، والمرأة تدفع الثمن.

في الزمن الاقطاعي والبرجوازي كان المجتمع ينبذ المرأة، وربما أكثر.. آنا كارنينا انتحرت تحت عجلات قطار. في الزمن اليساري وما بعد اليساري، المرأة رمت نفسها من حالق (الطابق الرابع فما فوق). عموماً، مصيرها لا يتعدى مصير مدام بوفاري وتيريز ديكيرو.

في هذا الزمان الأخير، لن نتابع، المجتمع يتغيّر ببطء شديد.