شارك الأديب الكويتي بسام المسلم في سرديات الربيع العربي، فكانت روايته الأولى “وادي الشمس: مذكرة العنقاء” في العام 2016، دارت أحداثها فوق الأرض السورية خلال الثورة والحرب. تتعرض الرواية إلى طالب كويتي في جامعة ولاية أريزونا، يعود من أمريكا وينضم إلى منظمة القاعدة وكانت تمثلها جبهة النصرة. اللافت في الرواية تغطيتها جانب من وقائع الحرب السورية، موثقة بشكل دقيق، خاصة في حدث “معلولا” واحتجاز الراهبات، كذلك في انشقاق الفصائل الجهادية المسلحة، كما في الإشارة إلى الدول الداعمة للنظام وفصائل المعارضة. لا يعني أن الرواية وثائقية، وإنما تأمل في دوافع أولئك الذين كانوا أطرافا في الملحمة السورية.

انحاز بسام المسلم مبكرا إلى قضية السوريين، كقضية ضمير، ويمكن اعتبار رواية “وادي الشمس” رواية نادرة حتى بين روايات الثورة، تتجلى في محاولة كاتب كويتي الكتابة عن موضوع صميمي سوري بات يخص العرب، مع أن السلطات في البلدان العربية لم تشأ التعاطي مع ما دعي بالأطراف المتنازعة، وإنما الانتظار.
كتب بسام المسلم القصة القصيرة أيضاً، ونشر ثلاث مجموعات، كانت الثالثة “نزف الوردة” ضمت إحدى عشرة قصة، كتبت في فترات متباعدة، تحمل كل منها تجربة متميزة عن الأخرى، سواء في المضمون أو في الشكل، يبرزان متلاحمين على نحو مختلف كل مرة، يبرره اختلاف إيقاع السرد في كل قصة.
يلتقط بسام حادثة من الواقع سواء كانت المحلي أو العالمي، ويحيلها إلى قصة، بإعادة صياغتها من موقع أحد شخوصها. ما يميز قصص المجموعة كلها، ويكسبها خصوصيتها توافر سند موثق لها، يعيد النظر إلى واقعية الحادثة بعين قصاص. لا تخفي محاولاته مخاطرة في مقاربة أحداث لها أساس قوي في الواقع وفي الميديا، محدد بزمانها وشخصياتها. وما تنحو إليه قصة قصيرة من تكثيف وإيجاز وتلميح بدلاً عن التصريح، مع الدقة في الأداء والتعبير.

يأخذ الشغل على حدث منجز، إضافة تخييل يسبر غورها، لا يعلو عليها ولا يشط. فقصص المسلم تعني نوعا من المعالجة الفنية، باصطفاء مشهد حساس ومتوتر، يزداد توتراً، كلما توغلنا فيه، يلاحظ الجهد المبذول بالمردود المتحقق منه، بعد تفكيكه إلى مشاعر وأحاسيس، تصعد من ذروة إلى ذروة، تؤدي إلى انكشافه في العمق.

يشيد بسام عمارة قصته، كلمة كلمة، إن لم نقل حرفاً بحرف، بالفاصلة والنقطة، ممسكاً بزمام السرد بأناة تقوده رتابة الألم، يحفر فيه الواقع بكل ما فيه من تناقض وفجاجة وتضحية ودموع وفحش وفضيلة. ففي الغزو العراقي للكويت، تنكشف القسوة بأبشع مظاهرها، قسوة الشقيق العراقي، وكان أكثر قسوة من الغريب. ما يعيدنا إلى المأساة السورية، عندما كان السوري أشد قسوة على السوري من العدو. ويخط بإشارات جارحة ما دفعته المقاومة من تضحيات، بحيث تتجلى الإنسانية في أرقى لحظاتها، مثلما يلمس في الصراع الداخلي تحت ضغط الحاجة إلى الآخر، وقمة الوحشية في اغتصاب فتاة، وفي الخلاص من الألم في الموت الرحيم، وفي ذلك الظلم الذي يؤدي إلى انتقام مفجع، وعن عذابات النساء والاتجار بهن في أسواق النخاسة، لا تخلو كلها رغم الإيثار والتضحية من الإحساس بالفاجعة وظلم الإنسان للإنسان.
قصص المجموعة، لم تقتصر على منطقتنا، تعدتها بالقفزة إلى الجانب الآخر من العالم، شمولية لا يجب إغفالها في الجنرال الصربي المسؤول عن قتل الآلاف من البوسنيين في مدينة سربرنيتشا، مع أنه الأب المحب لابنته الوحيدة، التي تعلم من الأخبار عن أفعال أبيها فتنتحر. كما يستعيد تجربة مارينا ابراموفيتش في قدرتها على تحمل الألم، لفضح مدى العدوانية التي يتمتع بها الجمهور، في حال لم يكن هناك رادع.
يتخذ بسام في كل حادثة موقعاً، يلتقط منه ما يساعده على التأمل فيه، مستنبطاً تلافيفه، من زاوية تقع على حد السكين تنزف دماً، هي الأكثر تعبيراً عن هشاشة الحياة وظلمها، وما تحمله من رعب حياة تمضي مثل “قطار الليل” من محطة إلى محطة، ومن ظلام إلى ظلام. ثمة ضوء خافت، هذا الضوء يبشر بالنور، بصيص ضعيف من النور.

في “نزف الوردة” يذهب بسام الى النهايات دائماً، إلى منتهى الألم، منتهى الحزن، منتهى المأساة، منتهى الرعب… إنها قصص الحدود القصوى.