يتفق جميع الأطراف الفاعلة والمؤثرة في المعضلة السورية مع اختلاف مواقفهم منها على ألا حل عسكريا للأزمة الراكدة سياسياً منذ ما يزيد على أربع سنوات، والتي أصبحت حسب مواصفاتها أكثر من حرب واحدة، وأكثر من طرفين متنازعين، مشتعلة على عشرات الجبهات الصغيرة والاستراتيجية، تشارك عدة دولة في دعم المتحاربين، سواء بشكل فعال، أو لمجرد إبقاء الحرب مستمرة، وذلك بدعم محدود. اجماع الداعمين على ان الحل سياسي، لا يبرر استمرار الدعم بأشكاله كافة، إلا ما يؤدي منها إلى تخفيف معاناة المدنيين ريثما تنتهي الأزمة. على عكس التصريحات، أطراف من المتشدقين بالحل السياسي كإيران وحزب الله يحاربون جنباً الى جنب مع النظام وأحياناً يحلون محله، وروسيا تحمي جرائمه وتفاوض بدلاً عنه في المحافل الدولية. أما داعمو المعارضة بمختلف بلدانهم، فللبقاء على قيد القتال، خشية عواقب السقوط في وقت غير مناسب.

حرب بلا نهاية، وقد تأكل اجيالاً من السوريين، فيما لو استمرت على هذه الحال. عموماً، رغم تراجعات النظام، ما زالت الصورة وردية لمجرد أنه مسيطر عليها، لكنها تنهار عندما يتدخل فيها طرف من خارج هذه التشكيلة، ويحيلها إلى سوداء، فتخرج عن السيطرة، ولقد استطاع “داعش” على فترات متباعدة أن يبرز بقوة ويعبث بالحسابات المؤجلة دائماً، وعلى رأسها حسابات الأمريكيين. فالمغامرة الأخيرة باحتلال الرمادي في العراق وتدمر في سوريا، بدت أشبه بمعجزة داعشية مزدوجة أمنت تواجده على مقربة من العاصمتين بغداد ودمشق في وقت واحد، ما ذهب بتلك اللغة الغثة حول الحل سياسي، إلى الانحسار، “داعش” لا يفاوض، “داعش” يفرض بالقوة. في حين على الضفة القريبة، تجري متغيرات لافتة، فصائل المقاتلين الإسلاميين والجيش الحر تتقدم في أدلب وجسرالشغور فالمسطومة، وقريباً ربما إلى أريحا، أما حرب القلمون حسب حزب الله، فبدأت وانتهت، بينما على الأرض مازالت مستمرة.

تعيدنا انتصارات المعارضة المسلحة في سورية إلى الحرب في ذروتها التي لا تكف عن التجدد، ما دام لا رغبة جدية في انهائها بالسياسة، فحتى اليوم لم تتخذ خطوات جدية في هذا الاتجاه، على الرغم من النزوح والبراميل المتفجرة والخراب اليومي.

تقدم المعارضة المسلحة موجه إلى إيران التي تملك مقادير سورية، وتريد ضمانات للمستقبل، وحزب الله الذي يخوض حرباً افتعلها ولم تكن حربه. وإلى الغرب الذي يعلن دائماً خشيته من الفراغ الذي سيحصل لو أن المعارضة انتصرت، أو انهار النظام، فهل استمرار الحرب هو الحل؟

آخر صورة لسورية في منتهى التشاؤم، يتقاسمها النظام والفصائل المعارضة و”داعش”. نحن أمام سورية في طريقها إلى التجزؤ، هل الحدود متفق عليها لدى الجهات التي تدير العملية الحربية على أنها سياسية، هناك مسارعة لاستغلال الوقت المتاح ليثبت كل طرف قواته في مواقع مختارة، فالنظام يعزز جبهاته حول دمشق والساحل، وهي مناطق يستطيع الدفاع عنها من خلال انسحاباته المتسارعة وتجميع قواته. و”داعش” لا يوفر الأرض ليستولي على النفط والغاز، وللمعارضة ما يتبقى لها من سورية. هل هذا هو السيناريو المقترح؟

عندما نسمع كلام الغرب، خاصة الأمريكان، نعتقد أنهم دعاة سياسة وسلام، بما لديهم من أسباب تمنعهم من التدخل أو تزويد المعارضة بالسلاح، أو حتى السماح بتسليحها، وكأنهم لم يخططوا لانقلابات، ولم يدفعهم الجشع إلى احتلال دول بكاملها. أو يقتلوا زعماء وطنيين لمجرد أنهم نادوا بالتحرر. هذه العفة المتأخرة لا تفهم إلا إذا كانت تعادل الثروات التي نهبوها بدون وجه حق، سُلبت من شعوب هم أحوج إليها.

مسؤولية ما آلت إليه أوضاع سورية التي لم تكف عن التدهور، لا تقتصر على إيران وروسيا فقط. في هذا المجال لا تقل مسؤولية الأمريكان عن غيرهم، بل تزيد. خاصة ومنذ سنوات، كان بوسعهم وقف إطلاق النار والحرب الأهلية، وبقاء الدولة وأجهزتها واداراتها ومؤسساتها، وإعادة النازحين إلى بيوتهم. لكنهم امتنعوا عنه بالصمت على الفيتو الروسي، وتوافر الوسائل والأسباب لإنهاء الأزمة من دون تدخل بري. ما يحصل الآن، مع تقدم فصائل المعارضة على الأرض فيما لو استمر، وحده يدفع قدماً الأزمة السورية نحو الحل السياسي.