منذ بضعة عقود، أصدر “اتحاد الكتّاب العرب” في سورية قائمة بأهم مئة رواية عربية. القائمون على اللائحة أدرجوا رواياتهم فيها، إذ لا يُعقل أن يسبغوا الأهمية على روايات سورية، ويستثنون أنفسهم منها، لا سيما أنهم الذين يسمحون ويمنعون، فهم الأدرى بالأدب العظيم.

الأمر السابق، دعا بعض فروع “الاتحاد” في البلدان العربية إلى إصدار قوائم أخرى، بعدما لاحظ القيّمون عليها أنهم غُبنوا، فالمصريون كانت العدالة برأيهم أن يكون لكل بلد حصّة تعادل وزنه الثقافي، بمعنى أن مصر يجب أن تهيمن على القائمة بما لا يقل عن الثلثين، وما تبقى لبقية العرب، يتنازعون عليه.

هذا الأمر أسّس لتوزيع الجوائز الأدبية، مع ترضيات من دورة إلى أخرى لإحدى الدول الهامشية في الرواية، وبما لا يثير حنق الدول المضيفة. لا غرابة، فجائزة “نوبل” استنّت التنويع الجغرافي مع التنويع السياسي، فالعدالة الأدبية متبدّلة، إن لم تكن مطّاطية لتتناسب مع بلد دون آخر. من حسن الحظ أن المعايير الأدبية كانت تطلّ بين فترة وأخرى، وإلا فقدت الجائزة مصداقيتها.

” المصيبة اليوم تجاوزت الأدب، المجازر حقيقية ودموية”

في الواقع، لم يمسّ القائمة الصادرة عن الاتحاد في ذلك الوقت أي غبن، التقييم واضح: على الأدب مراعاة الالتزام، فعدا اعتبار النضال الطبقي والأممي والقضية الفلسطينية من الأولويات، لا بد من التقيّد بالأيديولوجية الاشتراكية، فالدولة دولة العمّال والفلاحين، ولو أن لا دور لهما إلا في البقاء على قيد العمل والفلاحة ومظاهرات التأييد.

بعد تراجع الأيديولوجيات في العالم، لم يتمكّن “الاتحاد” من التلويح بها مع أنها وفّرت عليه الكثير من الإشكالات، كانت معتمدة في النقد الأدبي. غير أن شعار دولة الصمود والتصدّي كان المنقذ، بات للأدب بوصلة. سرعان ما تخلخل الشعارُ، الدولة كانت صامدة، لكنها لم تتصدّ للعدوان المستمر، كانت أراضيها محتلّة، فأصيب الأدب بالبكم.

السنوات الأخيرة شهدت نقلة نوعية في السياسة والأدب باستلهام شعار المقاومة والممانعة، ففي لبنان يقاومون عن النظام الذي يُمانع عن الأمة العربية. وكان على الأدب تفسير معضلة الممانعة، لنظام لا يمانع. لن يعجز الأدب عن إيجاد الحلول، فهو حلّال المشاكل، مثلما الاتحاد الممثّل الأوحد للأدب، ارتأى على الرئيس آنئذ عدم ترك الرقابة لرقباء أميين وجهلة، فأوكل إلى قادته حملها وكانوا أهلاً لها، فاستهلوا المجزرة، قرؤوا ما بين السطور وما فوقها وما تحتها، وما يُضمره الكاتب في خلده. لذلك فإن الأدب السوري مدين للاتحاد، ولن يغفل التاريخ إسهام الرقباء الأدباء في ابتكار حلّ ساعد على ضبط مسيرة الأدب وأمّنه طوال أربعين عاماً.

للحقيقة بقية، وهي أحق أن تُقال، وزارة الثقافة نجت من المجزرة المستديمة، فقد توفّر عليها أدباء ومفكّرون كـ أنطون مقدسي ومحمد كامل الخطيب، ولا ننسى الوزيرة نجاح العطار، حفظوا للثقافة السورية في التأليف والترجمة وجهاً مضيئاً رغم الظلام الدامس. أما اليوم، فالمصيبة تجاوزت الأدب، المجازر حقيقية ودموية.

اقــرأ أيضاً