تعهد الرئيس الفرنسي فرنسواهولاند باستقبال 500 لاجئ سوري على الأراضي الفرنسية، وبدأت ألمانيا في استقبال بضع عشرات من اللاجئين السوريين. كما وعد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بمنح الجنسية للمتزوجين الشبان من السوريين وتسليمهم شقة صغيرة للسكن. وزعمت مصادر روسية، أن هناك خمسين ألف مسيحي سوري يطلبون الجنسية الروسية، ما يشير إلى أنهم بحاجة إلى حماية، ما دفعهم إلى طلب النجدة من روسيا حامية الأقليات من الوباء الإرهابي الإسلامي. لا يستبعد توالي التبرع للسوريين المنكوبين بفيزا أو لجوء أو استضافة، وبتسهيلات قد تسهم بمنحهم الجنسية. عموماً، الاشتراطات الأوروبية تلح على قبول المسيحيين، لأن لهم الأولوية بالإنقاذ، نسبة لما يتعرضون إليه من تهديد وعنف.
يرى الكثيرون من ذوي النوايا الحسنة، أنه مع الوقت لن تتخلف أغلب الدول الغربية عن هذا العطاء الكريم، وإن كان ما سوف يستقبلونه لن يزيد عن كميات رمزية من شعب يبلغ تعداده 23 مليون نسمة، النازحون منهم قاربوا ستة ملايين نسمة وهم إلى ازدياد مبعثرون في الداخل السوري وفي بلدان الجوار محشورين في معسكرات البؤس والبرد والحر والأمراض السارية. وسواء كان قبولهم في أوربا بالمئات أو الآلاف، فالعبرة ليست بالكميات، وإنما في أن الحس الأخلاقي النامي بدأ يحتل مساحة كبيرة في حفاظ الغرب على المظاهر الإنسانية، التي هي في صلب سياساته، وإذا كان قد اختار الجانب النظيف الإغاثي والإسعافي واحتضان اللاجئين، فهذا تكفيرعن عجزه عن التدخل في أزمة مستحكمة، تعقدت وتشعبت، وبات حلها يفوق طاقته التي تتطلب موافقة البرلمانات والرأي العام. أما تمييز المسيحيين بهذه المنحة السخية، فلأنهم مهددون بالإبادة، أما المسلمون فغير مهددين إلا بالموت، والذنب ذنبهم، الله خلقهم مسلمين، عدا أن قاتليهم من المسلمين، وفي هذا وجهة نظر قوية.
وفر هذا الاختيار للغرب، ما يعفيه من تأنيب الضمير، ويبرئ ذمته من القتال الحاصل وضحايا يتساقطون يومياً. وفي هذا مقابل مجز، لم يكن تحصيل حاصل، بقدر ما كان مقصوداً، إذ الغرب بلاد الحريات، وفي هذا برهان على أخلاقياته، لكن لكل بلد حسب استطاعته، فارتأى إنقاذ السوريين المسيحيين، وما عداهم تركهم لمصائرهم المأساوية، غير أنه وفر عليهم الكيميائي، مع أنها الميتة الأكثر هدوءاً، إذ أنها تحدث وهم نيام. بينما المطلوب هو اليقظة، ربما تيقظ السوريون على عظم مأساتهم، وعقم إيجاد حل لها.
ورغم وجاهة ما سبق، يرى البعض أن الغرب تجاهل بكل صفاقة، أنه انتزع الأزمة السورية من أطرافها: النظام السوري والمعارضة والمسلحين، فهو الذي يمنع ويسمح، يؤجل ويماطل، يمهل ويهمل، يعد ولا يفي. وربطت أمريكا الأزمة مع الروس وأصبحا هما طرفا النزاع، بينما الأطراف المتصارعة على الأرض مشلولة بانتظار قراراتهم التي وجدت الحل الأمثل في تحويل سورية إلى ساحة قتال وتصفية، يسهمون فيه بتصدير الإرهابيين، بغض النظر عنهم في أراضيهم، وتسهيل وصولهم إلى أرض الجهاد، وخلق المناخ المواتي لتكاثرهم، ودفعهم إلى الطريق الوحيد الذي ترك لهم مفتوحاً على مصراعيه: التحول إلى انتحاريين. كما تحكم بإرسال الأسلحة إلى النظام والمعارضة بأسلوب التنقيط الممنهج، ليستمر القتال إلى زمن يحسب بالسنوات، ضحاياه من السوريين المدنيين المهمشين والفقراء، هؤلاء الذين لو حاولوا الهروب من الموت قصفاً وتفخيخاً، فالموت بانتظارهم غرقاً في البحر. وليس عن عدم دراية، فاحكام سبل الموت بدعة هذه الحرب المجنونة، مُنحت مقداراً من العقل. إذ أن هؤلاء الفقراء والمهمشين ليسوا أبرياء، إنهم الخزان البشري للجماعات الاسلامية الأصولية والمتشددة. يعمل الغرب على نظرية الحلول الاستباقية، وهي على وزن الضربات الاستباقية، وليس في الاستباق مؤامرة، إنها مسألة حسابات، لا تخلو من منطق رشيد. هذا هو العقل الاجرامي الذي أُسبغ على النظر إلى الأزمة السورية.
المبادرات الانسانية الغربية، كانت لتكون حقيقية ، لو أنها تساعد على وقف القتال، لأن القتال وحده هو الذي يدفع السوريين إلى الرحيل عن بلدهم، وهم غير كارهين له، بل متعلقين به. هناك من غادر سورية منذ عشرات السنين وما زال يحلم بالرجوع إليها. ربما كان الغرب جنة، لكن لمواطنيه، أما بالنسبة للاجئين فمعسكر اعتقال، وإذا كان هناك من نعمة، فنعمة التنفس فوق أرض لا تستقبله إلا لتستعبده بكرمها المخادع.
-
المصدر :
- المدن