تبرّع أدباء وصحافيون بنصائح، حذّرت من الكتابة سواء عن الثورة، أو الحرب، أو ما اتفق على تسميته بـ”الكارثة السورية”. فالوقت غير ملائم لكتابة رواية أو مسرحية، والأولى عدم التورّط بفيلم سينمائي، أو مسلسل تلفزيوني؛ وكأن هذه الدراما الكبرى تشقّ على شاشات الدرامات الصغرى، التي لا تصلح إلا للترفيه، ففي حسابات الربح والخسارة، المنطقة منقسمة حيال “الربيع العربي” وما آل إليه من ثورات ونكبات، والفضائيات لا تريد خسارة مشاهديها، فاختارت تجاهل “الربيع” تحت صيغة الحياد الدرامي، بدعوى أن ما يجري على أرض الواقع يحظى بالحصة الأكبر في الأخبار اليومية والتحليلات السياسية.

الأسباب الأخرى، إذ لا بدّ من أسباب منطقية تعلّل هذا الحياد، وهي أن نهاية ما أصبح أزمة دائمة مجهول تماماً، والثورات انتهت ومعها “الربيع”، إضافة إلى ما طرأ على المجتمعات من تحوّلات، تمنع الكتابة عنها قبل أن تشهد فترة استقرار معقولة تضع الحدث بين ما قبل وما بعد.

ما يساعد الدراما حينئذ على معالجة هذه الموضوعات بما يتسق مع حصيلتها النهائية، فلا يجهل الكاتب إلى أي موقف ينحاز، وأي طرف يؤيد، وأي دول يتهم، وأي جهة يحملها مسؤولية الخراب، فالقنوات الفضائية لا تعبأ بالعدالة ولا الحقيقة، وإنما بالمنتصر، والاعتبار من الهزيمة.

” ثمة من لا يكتب إلا في فترة استقرار تضع الحدث بين ما قبل وما بعد”

تحدّد هذه النظرة مهمة الدراما عما يجري منذ سبع سنوات، وهي الوقوف مكتوفة اليدين بانتظار ظهور وثائق، وفضح مؤامرات، وانكشاف قنوات سرية ولقاءات جرت خفية في ظلام كواليس السياسات الدولية، يستفاد منها في إضفاء الغموض على دراما تعتمد التشويق. فما يجري تحت سمعنا وبصرنا، إنما هو السطح المخادع، أما الحقائق (الحقيقية لا المزيفة) فسوف تظهر في ما بعد. أما الآن، فنحن أمام لغز دولي يُستعصى تفكيكه، ومن قصر النظر الاقتراب منه، إلا بعد انتهائه.

هذا الادعاء، يصرف النظر عن أن الكثير من الحقائق لم تظهر بعد عن الحرب العالمية الثانية، أو الحرب العراقية، والأكثر مجهولية الحرب العراقية الايرانية. ناهيك عن القضية الفلسطينية التي لم تتوقف الحقائق حولها عن التدفق… هل نطلب من الكتّاب الفلسطينيين التريّث حتى تنتهي المشكلة الفلسطينية إلى اتفاق نهائي تعلن ختام القضية، أو موتها، ومن بعدها يكتبون؟

حسب خلاصة تجارب الناصحين؛ الإبداع بحاجة إلى اختمار للكشف عن مدى الكارثة وأبعادها، وكأن الدراما ستبتدع كارثة من تخيلاتها الفانتازية، لا من الواقع المشحون بالدمار والموت، مع العلم أن المأساة السورية تجاوزت الاختمار، وكسرت الحدود، واتخذت أبعادها إلى البلدان الأخرى.

سواء كان ما يقع تحت أنظارنا، ثورة يجب نسيانها، أو حرباً لا يصح إحياؤها، أو إرهاباً قضي عليه. فعلى مدّ البصر جيوش احتلال أجنبية، وشعب مشرّد ونازح ولاجئ، ومئات آلاف القتلى… إذا لم تتخذ الثقافة موقفاً واضحاً هو فعل مقاومة بالكتابة والكاميرا… فترى ما هذه الثقافة؟