المهلة التي لوح بها أوباما لإنهاء السرطان “داعش”، يبدو أنها ستمتد إلى نهاية عهده الرئاسي، وتشمل تهيئة الميدان لإنهاء الأزمة السورية، من دون إسقاط النظام، وهو ما أكدته تسريبات عربية وغربية، وأوحى به القرار بتحليق طائرات استطلاع أميركية فوق سورية، مترافقاً برفض التنسيق مع النظام، وإن كان هناك تنسيق أمني عن طريق روسيا وإيران!!

راية داعش السوداء لن يطول عمرها أكثر من عامين على أبعد تقدير، إلا اذا حدثت تطورات أدت إلى متغيرات قلبت التقدير الرئاسي رأساً على عقب. ما يبدو حتى الآن أن ما اتخذ من الصعب العدول عنه، غير أن الثقة معدومة بالسياسة الأمريكية التي انتهجها أوباما، خطوطه الحمراء لم تصمد من قبل. لكن ما يُرجح عدم التراجع، هو أن القرار يعنى بالدرجة الأولى بأمريكا، لا العراق وسورية، الهدف حماية مواطني أمريكا وأراضيها. إعدام الصحافي الأميركي جيمس فولي، جعل قناعة الرأي العام تهتز بسياسة أوباما الانعزالية، التي بقدر ما حاولت الابتعاد عما يحصل في المنطقة عن عمد، وتجاهل تداعياتها الكارثية، لم تقدر إلى أنه عندما ستصحو سوف تجد نفسها غارقة فيها، عسى عندها أن تجد الوسائل للتخفيف من خسائرها. الصحافي فولي ضحية الانكفاء الأمريكي، قتلته “داعش” غيلة لإرهاب الأمريكيين، ومنعهم من التدخل في ما أصبح مناطق نفوذهم. وكان ذبحه الهمجي مقتلا للإنسانية التي أهدرتها لامبالاة أوباما.

هذا التطور الحاصل، كان إدراكاً، ولو أنه متأخر عن الحقائق التي تعامت عنها الإدارة الأمريكية، ولم تعترف بها، إذ فيها إدانة كاملة لهذا الغياب الذي لم تبرّره سياسة النأي عن عالم يبقى متواصلاً ليس بالمصالح والمنافع فقط، ولا بضمانها أو تراجع أهميتها، وإنما حسب أسطوانة أمريكية بالحاجة إلى التعاضد ضد الشر، وأن الخير هو البوصلة الأساسية لعالم لا يخلو من المخاطر، طالما هناك قادة تمثل طموحاتهم الضيقة مقتلاً لآمال البشر في الحرية والكرامة.

الحقائق التي لم يُلتفت إليها، كانت قتل ما يزيد عن 190 ألف سوري، منهم أحد عشر ألفاً قتلوا تحت التعذيب موثقين بالصور، وتشريد ثلاثة ملايين يسكنون الخيام تحت طائلة البرد والحر والجوع والعطش. كما كان في التعامي عن حقائق سبقت، مباركة للضربة الكيميائية، ولإلقاء البراميل المتفجرة يومياً على أحياء سكنية… ثمة مأساة انسانية متكاملة بلغت حدودها القصوى، وفي انتشار مستمر، توجت بإهمال دولي يتساوى مع القتل. لذلك يخشى أن تقتصر حرب أمريكا على داعش في سورية؛ على عمليات إغارة ليس بهدف اقتلاعها، بل ابقائها في الداخل السوري.

إذا كانت عقلية المارينز، هي المسيطرة، فالمتوقع العمل على رد سريع شبيه بعملية تعقب أسامة ابن لادن في الباكستان، فلا تستبعد عملية كوماندوس بمهمة اغتيال قادة في “داعش” مرتبطين مباشرة بقتل أميركيين، وربما بعدما حددت شخصية قاتل الصحافي أن تقتص منه بعملية نوعية، تتلوها ضربات محدودة على المدى الطويل، مادام في الوقت متسع من الكر والفر. إذا كانت هذه هي الحرب الأمريكية، فالتراجع حاصل دونما إشعار بذلك.

لم يكن للإنسانية علاقة بقرار أوباما، إنما وبشكل رئيسي إعادة الاعتبار لأمريكا زعيمة العالم على أمل استعادة مكانتها إزاء عالم بدأ يلملم أشتاته ليستعيد هو الآخر مكانته تلك التي أحرزها من قبل وراء السور الحديدي، ومعه عالم آخر يفرض وجوده بقطع الرؤوس. الأمريكان مضطرون للعب هذا الدور رغماً عن أنوفهم، ليس من باب الحريات، بل من متطلبات الأمان، تحت ضغط انتقادات لرئيس وجد في الواقعية السياسية نفياً للواقعية الإنسانية، تلك التي تحفظ للبشر كرامتهم، أو ما تبقى منها. وليس من الضروري أن يكون التمثيل فعالاً ولا متقناً، مجرد إلقاء تصريحات غاضبة، إذ الحرية رفاهية أمريكية ليس بالوسع تعميمها على شعوب لا تحتاج إليها، طالما الاعتقاد أنه في حجبها عنهم استقرار للعالم الديمقراطي.

يوم ما ليس ببعيد، سيوضع السيد الغرب في قفص الاتهام، لتضليله العالم حول المأساة السورية، التي شكل التلاعب بها انتهاكاً لحق الشعب السوري في الحياة، وسوف تكون الإدانة الأخلاقية غير كافية، ولن تغير من الواقع الذي رحل ومعه ضحاياه، أو من الواقع الجاثم في سورية، لكنها اتهام الغرب إلى أن جرائم اللامبالاة لا تقل عن جرائم الطغاة ومنتحلي الإسلام.