يعتقد الغرب أن قضية “الإرهاب” هي قضية تخصه وحده، وهو المهدّد بها، والمتضرّر منها، وليست قضية العرب والمسلمين إلا من حيث أنهم مسؤولون عنها، عدا عن أنهم أسبابها. وهذا يرجع إلى الدين الإسلامي نفسه، الذي يحمل في جوهره من خلال الدعوة إلى الجهاد دعوة إلى العنف.هذه النظرة يشاطرهم فيها بعض العرب، على رأسهم مثقفون من مشارب مختلفة، يجمعهم اعتقاد أن الإسلام هو مشكلة هذا الشرق المتخلف، ويرتأون ما يؤدي في النهاية إلى أن الحل الأمثل إلغاء الإسلام من لائحة الأديان المعترف بها، ذلك أضمن للسلام العالمي. أما لماذا اتجهت جماعات إسلامية إلى العنف المنفلت في هذا الزمن المضطرب، وليس من قبل، فهذا من الأسئلة التي لا تطرح، كي لا يجري التطرق إلى أسبابها الفعلية.

المؤسف في السنوات الأخيرة وحتى الآن، تتوارد الشواهد على صحة هذه الرأي، فيما لو كان أبطالها يمثلون الإسلام فعلاً، أحدها أخيراً الصورة التي نشرت في صحيفة “ذي أستراليان” عن صبي يبلغ من العمر سبعة أعوام يحمل رأساً مقطوعاً لجندي سوري في مدينة الرقة، وهو ابن لجهادي ينتمي إلى تنظيم “داعش”. أثارت الصورة استنكاراً واسعاً في الغرب، مثلما أثارتهم من قبل صورة آكل الأكباد، التي روج لها الرئيس بوتين. اعتبر الغرب حادثة الصبي الجهادي صاحب الجنسية الأسترالية، تؤذي صورة ديمقراطيته المتسامحة. جرى التركيز عليها، وكأنها لا تؤذي ولا تثير استنكار العرب والمسلمين.

واكب الحادثة اقتراح من الولايات المتحدة وأستراليا، بإحالة قضية “الجهاديين” الأجانب في سورية والعراق إلى الأمم المتحدة، لإقرار وسائل تتيح تعاوناً دولياً لمواجهة التهديد الذي قد يشكّله العائدون منهم إلى بلدانهم. المخاوف منهم ترجع إلى أنهم سيعودون أكثر تشدداً بعد ما تعلموا كيفية صنع عبوات وسترات ناسفة، وتدربوا على استخدام الأسلحة وتفجير القنابل. الاتجاه السائد ينحو إلى اتخاذ الدول المعنية تدابير استباقية تحول دون عودتهم، تجنباً لما سيجلبونه من فوضى ودمار.

منذ البداية تشكلت لدى الأمريكان وجهة نظر قوية بخصوص سورية، عملاً بنصائح إسرائيلية، فالإسرائيليون أبرز من يفهم مشاكل جيرانهم في المنطقة، لم يصرحوا بها، وهي أن الفرصة مواتية لتحول سورية إلى ساحة قتال، تستنزف أطرافاً عدة تشكل عامل عدم استقرار في المنطقة؛ إيران، حزب الله، الجيش السوري، ما يضعف النظام، ويسهم بتفتيت سورية. استجرت مع الوقت أطرافاً أخرى، فصائل إسلامية مقاتلة، ومن ثم “داعش” والنصرة والميلشيات العراقية… ومع هذا لم يحرك الغرب ساكناً، لقاء الإرهاب الذي ادعى أنه يهدده. السوريون وحدهم دفعوا ثمن هذا الاستنزاف من حياتهم ومستقبلهم وما نجم عنه من خراب شامل وافتقار إلى وسائل الحياة والتعليم.

يتابع الغرب لامبالاته التي باتت مركبة بمنع الجهاديين القادمين من الخارج من العودة إلى بلدانهم، حسب مصادر غربية، بلغ عدد العائدين لا أقل من الثلث، ان لم يكن أكثر، بعد أن وجدوا أن الجهاد لا يزيد عن القتل الذي حرمه الإسلام، الذي باسمه جاؤوا لنصرة اخوانهم المسلمين. فإذا كانوا أنكروا جهاد “داعش” والنصرة، فلماذا يجري دفعهم مجدداً إلى أرض الجهاد؟

اختار الغرب ألا يخمد الحريق السوري، مادام الاستنزاف يؤتي مفعوله، الحريق المرشح للمزيد من الانتشار، وصل الى العراق، ولن يكتفي به. هل سيعمل الغرب على تطويقه ضمن حدود دولة الخلافة، ما يؤمن استمرارية الاستنزاف؟ وهو إلى حد ما لن يتوقف، الحرب لم تعد تحت سيطرة إيران و”حزب الله” والنظام السوري والروس… لا طرف فيها قادر على الخروج منها، إلا بجهد عالمي، واتفاق إقليمي. الغرب القادر على وضع حد لها، أدار ظهره لها، وعندما اضطر الأمريكان إلى التدخل أصروا على ضربات محدودة، بحيث تبقى سورية خارجها، وكأنها بلد خال من الارهاب.

يعتقد الغرب أن في استمرار الأزمة السورية متنفساً للإرهاب، يضمن أمنه، لكن ماذا عن أمن السوريين؟عندما تتيقن السياسات الغربية، أن سلامة شعوبنا لا تقل عن سلامة شعوبهم، فهم على الطريق الصحيح في محاربة الإرهاب، أما اذا كان هناك تمييز وأفضليات واستثناءات، فلا جدوى من الحديث عن الإرهاب ولا العدالة، أو حتى الأمان.