بالرغم مما سيسفر عنه مؤتمر “جنيف 2″، إيجاباً كان أم سلباً، فقد دخلت الأزمة السورية في شبكة المفاوضات والمساومات، أصبح هناك خطّ مواز للحرب التي تجري على الأرض، لا يمكن لطرف تجاهل ما يحدث هنا أو هناك. سيؤثر كل منهما في الآخر، قد يعيقه أو يدفعه نحو التقدم. لن يفتقر المؤتمر إلى مفاجآت متوقعة وغير متوقعة في ظلّ هكذا أجواء ملتهبة ومدلهمة. بوسعنا تصوّر أي شيء. من يستطيع ضمان ألا ينسحب وفد النظام، أو وفد المعارضة من المباحثات؟ طبعاً ليس من السهل حدوثه، طالما الضغط الدولي متوافر، مع متّسع للمناورات والتراجعات، ومع هذا لا شيء مستبعداً، مادام أن مواقف الدول الراعية، واضحة في تصريحاتها، وغير واضحة في أفعالها، ولا في ما تريد أو تنوي فعله. الحجّة جاهزة، لا يريدون إلزام أي طرف بالحلّ، سوى الحلّ السياسي، الذي يبدو معاقاً حتى العظم.

يُعقد مؤتمر “جنيف” لمساعدة النظام والمعارضة على إيجاد حلّ للمأساة السورية، الدول الإقليمية ودول الجوار، لا تصلح لهذه المهمّة، بعدما باتت طرفاً في الصراع، ما يجعل الحلّ عسيراً ، إن لم يكن مستحيلاً. المعارضة حسب “جنيف 1” تصرّ على حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات، بينما النظام تفادياً لهذا الاستحقاق يعزف على وتر الإرهاب. روسيا المنحازة إلى طرف النظام بقوة، لا تفصح عن موقفها النهائي. الأمريكان يستطيعون تغيير قواعد اللعبة، لكنهم لا يريدون، تحت زعم التريث. أوروبا ترغب لكنها غير قادرة، الأمم المتحدة مضطرة لوضع حدّ لأزمة، بات عدم إيجاد حلّ لها، إحراجاً لها وتهديداً لمكانتها، السبب تفاقم الأزمة في منطقة حساسة من العالم. فنشطت بقوة، يكفي هذا، المهم الإيحاء بأنهم يعملون.

المواقف الدولية في حقيقتها يلفّها الغموض، طالما أن الدول المؤثرة لا تريد التورط في حرب قد تعود عليها بانغماس غير مأمون العواقب في مشاكل المنطقة التي لا تنتهي. ليس هناك مشكلة في العالم، إلا ولها تمثيل فيها؛ الدكتاتورية، القتل الممنهج، الأقليات، الجهاديين، الأصوليات، اللاجئين، النفط، المخدرات… عدا عن المشاكل التي تتفرد فيها المنطقة، كالمشكلة الفلسطينية، والموقع الاستراتيجي المهدور. أما دعاوى التأسيس للديمقراطية، فلم تعد عاجلة ولا مهمة، هذه الشعوب لم تفطم عن الدكتاتورية، ولا تجد أمانها في الحرية.

تجد هذه الادعاءات مصداقيتها في عالم يعاني من الفساد، بات الغرب أكثر براغماتية، فهم ليسوا جمعية خيرية، للحرية ثمن، بينما مصالحهم في سوريا، لا تغطّي كلفة تحريك قواتهم، ولو لمجرد التهويل، ما يستوجب حساب الكلفة الإضافية لتورطهم في مشاكل مع كارهي الغرب الجشع، على رأسهم جماعات أصولية، تجد في تدخلهم مبرراً لشن عمليات انتحارية في بلدانهم، طالما هناك طابور خامس من المهاجرين المسلمين. لاسيما بعدما أصبحت العمليات الجهادية لا تعاني من الركود، هناك انتشار لإمارات زئبقية، راسخة ومتنقلة، وساحات تؤويها، وأرتال من الجهاديين ينتظرون دورهم في الصعود إلى الجنة، يمكن تعليل هذا الاقبال المنقطع النظير، باندفاعة حب الموت. المؤسف أن هذا العامل الخطير، يُربط بالأزمة السورية، ما يطيل عمرها، في المفاوضات وعلى الأرض.

حتى الآن يبدو الذهاب إلى “جنيف”، ليس أكثر من مسرحية، تحفظ لأطراف خارجية ما يدعونه من حقوق جائرة في سوريا على حساب الشعب السوري. المسرحية في الظاهر يتقاسمها الأشرار والأخيار، والضحايا في الكواليس، لا ينقصها المدعوّون، والمتفرّجون، ولا ننسى الكورس الذي رفع عقيرته متنبئاً بالمأساة. مسرحية تختلط فيها التراجيديا بالكوميديا، والجد بالهزل، والواقعية بالفانتازيا، الجانب الكوميدي والهزلي لا يروّح عن النفس، مثل الفانتازي يطلق الأكاذيب ويَجُبُّ الخيال. ولا يستغرب أن عدد فصولها غير معروف، وإذا كنا اطلعنا على المشاهد الأولى من الفصل الأول، فالعجيب رغم كثرة المدعوين، والمتابعة المتأنية للنظارة، والإعلام بشقّيه المنحاز للحق أو الباطل، وأولئك الذين يحرّكون الممثلين من خلف الستار، أنهم جميعاً يترقّبون انهيار المسرحية في أية لحظة، لتستمرّ في المكان البديل، حيث الحوار بالرصاص والمدافع حصراً، هناك تسدل الستارة على الفصل الأخير، ربما بعد سنوات.

هذا إن لم يساعد المجتمع الدولي سوريا فعلاً.