«لقد مررت في هذا العصر» للروائي السوري فواز حداد، وهو صادر عن دار المحيط للنشر في الفجيرة، ضمن مشروع «أنا الرواية» عن التجارب الروائية للروائيين العرب.. وهذا مقطع منه، نرى فيه الروائي في مواجهة عصره.
…لا يستطيع الروائي كتابة رواية نظيفة من أشباح الدكتاتورية، لا بد أن يشوب ما يكتبه مسٌّ من الثقل المرعب للاستبداد، يتسرّب إلى نسيج عمله. هذا إن لم يستدرجه القهر والألم إلى أن يصبح منظّراً للبؤس، إن لم يكن لليأس، أو محرّضاً على الموت والثورة؟ إن حياتنا متحكم بها في أدق تفاصيلها الصغيرة من الولادة إلى الموت، فلماذا لا تكون كتاباتنا ممسوسة بالعذاب؟
من هنا تأتي ضرورة الكتابة عن عصرنا، إنها الكتابة عما يراه الروائي بعقله وقلبه وروحه، ما يشهد أنه ليس غائبا عن العصر الذي يعيش فيه، ثم إن الرواية في أحد وجوهها، البحث عن المعنى، بينما اللامبالاة تسهم في تبديده تحت زعم أن السياسة على عداء مع الفن الطليق. ما يُتداول عن الرواية ويروّج عن عالميتها، لا يُكتسب بعيداً عن محليتها، فهي تفتقر إلى أرض يقال عنها وطن، وبشر يقال عنهم شعب. لن يكون المنجز الروائي العربي جزءاً من نسيج الرواية في العالم، إلا بإثبات مقدرتنا على الكتابة عن أنفسنا، ليتعرف الآخر علينا. هذا هو الجسر الحقيقي إلى خريطة الرواية العالمية.
يطمح روائيو العالم إلى كتابة رواية عصرهم، هذا جهد حقيقي. هذا ما نعنيه بضرورة أن نكتب نحن رواياتنا. وإذا طمحنا إلى الكتابة عنه، فلأننا نعيشه، ولا يقتصر على «الربيع العربي» إنه مجرد حلقة، ماذا عن هذا العصر الذي عج بالأوهام عن العدالة والحرية، والطموحات القومية، والايديولوجيات التي بدت خلاصية… كل هذا لم يتحقق، لكن رافقته محاولات عظيمة، وما انكساراتها، إلا لئلا تتكرر، لذلك يصح تفكيك هذا العصر، لماذا نرميه عن كاهلنا، هل سيمتلك القادمون بعدنا عيوننا ليروه من خلالها؟