أكثر ما تميّز به عصرنا، اهتمامه بقضايا لم يكن في ما مضى يهتم بها، أو يتطرق إليها، بعضها اكتسب الأولوية على ما عداها كالسلام، بينما كانت الحروب هي مفاتيح التقدّم والرخاء في الجزء الغربي من العالم، فالمستعمرات كانت تجلب الذهب والخيرات والعبيد، وتطويع سكان البلاد “المحلّيين” في الجيش لاستخدامهم في الحروب.

كان لدى فرنسا في جيش الشرق، كتائب من المراكشيين والسنغال والتونكينيين. هذا الجيش تخرّج منه قائد الانقلاب الأول في سورية الزعيم حسني الزعيم.

كان من المحبذ والمشروع، أن تعيش بلدان الحضارة الغربية على نهب “بلدان متخلّفة”، أو تحت التقدّم، بل وتقاس عظمة الإمبراطورية أو الدولة بعدد مستعمراتها ومساحاتها، وما تدره عليها من عائدات. بموجب هذه الاعتبارات حازت بريطانيا على لقب الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، واعتبرت الهند درة التاج البريطاني.

ركز هذا العصر اهتمامه على الحريات والتعليم والمرأة والبيئة، والقضاء على المرض والجوع، ومعالجة أسباب الحروب الأهلية… قضايا لا شك في ضرورتها، وإن كان النقاش يجري أحياناً حول أولويتها، أو بالتدريج، ومدى ملاءمتها لبعض البلدان، لكنها عموماً محقة.

الملاحظ مع كثرة المنظمات والهيئات الدولية وفي مقدمتها مجلس الأمن، أن أغلبها مُعَرقل، أو معلق، أو مؤجل، أو لا يمكن الاقتراب منها لاعتبارات محلية أو إقليمية أو دينية، بينما أغلبها معطل لأسباب سياسية، لا يجوز تناولها بشكلها الحقيقي الفج كصراع على النفوذ، بل على أنها أزمات على علاقة باستراتيجيات دولية غامضة.

لئلا نقع أسرى خدعة سياسات الاحتيال الكبرى، ربما في تحويل النظر قليلاً عنها إلى حيث يقف القادة الملهمون الذين يديرون العالم. فلن نجد فارقاً بين رئيس دولة يتفنن في قتل المسؤولين المشتبه بهم، بالمدفع أو إطعاماً للكلاب، ولا يقبل في خطاباته الغفيرة بأقل من هتاف الجماهير والتصفيق له، أما الفتيات فالبكاء من فرط التأثر برؤيته، أو الرئيس الذي يشبهه الموالون له بالإله، ويطالبون الشعب بالسجود له، أو رئيس يعيد دولته إلى شمولية لم تبرأ منها بعد، استمرت سبعين سنة، ضحاياها بالملايين، أخفقت لأنها أغفلت البشر، أو مرشد مسلم يستعيد أمجاد امبراطورية غابرة بتمزيق الإسلام والمسلمين، وخليفة لا يفهم من الخلافة سوى تفسير شريعة الرحمة والتراحم على أنها قانون العقاب بالسيف.

هل يتميز عنهم رئيس دولة عظمى، ولو أنه ديمقراطي ومُنح جائزة نوبل للسلام، لما حملته رئاسته من وعود للبشرية في التغيير، فلم يفهم السلام إلا في استمرار الحرب ما دامت بعيدة عن بلده، ولو تجاوزت الخطوط الحمراء وقتلت آلاف الأطفال؟

سلسلة لو تابعنا انحدارها، فسوف نتعثر بقادة ضباط تافهين صنعتهم دعايات القتل على أنه المجد، ترى ما هذا العالم الذي يصنعه قادة مصابون بجنون العظمة؟

حتى التاريخ لم يوصد أبوابه أمام هذا الخلل العقلي.