يدّعي الغرب أنه أصبح مالك الحقيقة المعتمد في العالم، ومرشد البشرية إلى التقدم. بالتالي بات عصر العولمة عولمة العقل، فالعقل واحد، وبوسع الغرب التفكير نيابة عن دول تمزّقت حدودها إلى أمم وشعوب، وأديان ومذاهب.
يمرّ الغرب بحقبة جنسية بدأت في ستينات القرن الماضي وما زالت مستمرة حتى اليوم، نشهدها في تداعياته المتحللة مما تعارف عليه العقل السابق، بمراجعة ما تراكم من مفاهيم أخلاقية، والسعي إلى إدانتها كالحشمة مثلاً.
يعمل العقل الغربي على تعميم حقبته الجنسية على البشرية الغائبة عن الوعي، مع أنها لا تشكو من القصور في هذا النوع من التقدم الذي تخشاه بدواعي العيب. مواصفات هذه الحقبة، إعادة تعريف الجنس إلى عكس ما جرى التعارف عليه، فما اعتبر من قبل مثالاً على “الإنسان الطبيعي” اعتبر رجعياً تخطاه الزمن.
المفاهيم الحديثة، تنزع إلى إعادة الاعتبار لما كان مستنكراً وأحياناً مميتاً تعرض أصحابه قبل قرون إلى التنكيل والنبذ والقتل. فالمثلية الجنسية الظافرة في الغرب، تذهب بالظن إلى أن البشرية قد بلغ بها الملل حداً أصبحت تأنف من الجنس العادي. وبالتالي تسعى بعد كشوفها الجنسية للتكفير عن أخطائها وجرائمها.
” احتاجت البشرية إلى قرون عديدة كي تتعلّم الحياء، وجاء أوان التحلل منه”
العقل الغربي يراجع ما استقر عليه، والغفران يتجه إلى شموله الأنواع الأخرى الأشد بأساً، بعدما كانت الأشد انحطاطاً، كالسادية والاغتصاب والتغرير بالأطفال ونكاح المحارم… المدانة والمطاردة، بهدف نزع المخاوف عنها وإعادتها إلى حجمها الطبيعي، بلا مبالغات.
هل يمكن عزو هذا العقل إلى أن الجزء الشغال منه هو العقل التجاري؟ فالاتجار بالجنس أصبح من التجارات الكبرى في عالمنا، ومثلما احتلّ جزءاً من أوقات الفراغ، احتل أيضاً قدراً لا يستهان به من أحلام البشر وجنونهم وجرائمهم. فالاغتصاب والتحرّش أصبحا إيقاعاً يومياً في العالم، ما دام الفضاء مفتوحاً على الأفلام الإباحية وصناعاتها
ليس الغرب مجنوناً أو سخيفاً، ولا شيطانياً أو متحللاً، لكن التجارة والمال تتغلب على العقل والأخلاق وتوظفهما لمآربها. فلا تخدعنا ظاهرة جماليات العري، باتت علاقتها بالتجارة، أكثر منها بالفن، وأصبح الذين يخلعون ملابسهم أكثر من الذين يلبسونها، مع أن التخفف منها، على تضاد مع جني المال. لكن المتاجرة بها ستحافظ على الصلة بين العري والملابس بخيوط لا تنقطع مهما حاول العري التخلص منها، فالملابس الداخلية، لم تعد داخلية، أصبحت خيوطاً تشترى بالمال.
احتاجت البشرية إلى قرون عديدة كي تتعلّم الحياء، وجاء أوان التحلل منه، ولئلا ننسب هذه المرحلة لفرويد لمبالغته بالاهتمام بالجنس وتأثيراته، لا بأس باستعادة قول له مُعتّم عليه: أول علامة من علامات الحماقة؛ الغياب الكامل للحياء.
-
المصدر :
- العربي الجديد