يُنسب إلى اينشتاين قولان، الأول: “الفرق بين الغباء والعبقرية هو أن العبقرية لها حدود”. والثاني: “شيئان فقط ليس لهما حدود، الكـون وغبـاء الإنسان، وأنا لست متأكداً من الأول”، يُتداولان كدلالة على أن الغباء البشري مأساة مكلفة لا حدود لها. الفارق أنها لا تعود بنا إلى الصورة المتداولة عن الغباء، وهي عموماً ليست سلبية. فالغبي محدود العقل، يأخذ الأمور بسطحية. يتميّز بطيبة القلب، ويثير السخرية في ادعائه الفهم، يمكن تبرير أخطائه إذا نظرنا إليها كعاهة تستدعي الرثاء، لا انتقاده بشدة ومحاسبته، خاصة إذا كانت خَلقية، لا مكتسبة.
قصَد اينشتاين نوعاً من الذكاء المتطرف في الغباء، متهماً به علماء يتخذون مواقف متعنتة، ويكابرون عن عنادٍ في التشبث بنظريات متخلفة، تشكل عقبة في البحث العلمي. الطامة الكبرى تنكّرهم للحقائق العلمية من موقع سلطة أكاديمية وبدوافع انتهازية، متجاهلين أن الفائدة المرجوّة من العلم هي فتح آفاق جديدة للمعرفة، وابتغاء الخير للبشرية، لكنهم عندما يعتمدون الجهل على أنه العلم، فلا ريب أن الغباء يلعب الدور الأول.

هذا النوع من الغباء، لا يقتصر على العلم، بل يمتدّ إلى أي مجال تتحكم فيه سلطة سياسية، اجتماعية، اقتصادية، فكرية، أدبية… قادرة على اتخاذ قرارات حاسمة قد تكون خاطئة، وفي عدم تراجعها عنها، تؤدي إلى كوارث غير ناجمة عن قصور في الإدراك، ولا عن خلل وراثي، بل عن غباء من النوع المكتسب بالخبرة والتجربة، هو التكالب على السلطة، والتشبث بمصالح شخصية أنانية. خيار يُشكّل لحظة فاصلة بين الحق والباطل، بين حقوق البشر، وباطل التسلّط. عندئذ يعبر الأخذ بالباطل عن غباء مطلق.

” غباء لا يقتصر على العلم بل يمتدّ إلى أي مجال تتحكم فيه السلطة”

ما تعانيه شعوب عربية، اليوم، مثالٌ على باطل التسلط. فالشعب الذي احتج على مظالم حقيقية، قُصف بالصواريخ والطائرات… وكانت حرب ما زالت مستمرة منذ خمس سنوات. بينما لو سعى الحكّام إلى إرضاء شعوبهم بقدر لا غنى عنه من الحرية والكرامة. لكان بمقدورهم البقاء في الحكم، بلا قلاقل ومظاهرات. فالشعوب مروّضة، ذاقت السجون والمعتقلات، ولا ترغب بالمزيد.

لا يفتقد هؤلاء الحكام للذكاء، برهنوا عليه طوال عقود في مؤامراتهم للاستيلاء على السلطة، واغتيال معارضيهم، واعتقال خصومهم، والادعاء بأنهم ناضلوا ضد الاستعمار والتبعية والإمبريالية والرأسمالية، وأنهم وطنيون واشتراكيون وديمقراطيون! بينما كانوا طوال سنوات حكمهم ينهبون ثروات البلد. وأضافوا إلى براعاتهم، إقناع دول غربية، أن الشعوب العربية مضادة للديمقراطية، لا يصلح أحوالها سوى دكتاتور قادر على خنق أنفاسها، طالما هناك من يطالب بالقليل من الحرية، أو بنزر يسير من الكرامة.

إذا كان هؤلاء الزعماء قد نجحوا في التدمير والسحق والقتل والتهجير. وبارك الغرب جهودهم في قمع شعوبهم بحجة أنها مستنقع الإرهاب. فليسوا مدينين إلى ذكائهم الخالص وحده، بل إلى غباء متطرف تشاركوه مع غرب في منتهى الذكاء.