ماذا يكون السوريون في نظر العالم؟ الإجابة لا تحتاج الى تفكير، نلاحظها في المطارات والحدود البرية والبحرية الدولية، عند تدقيق جوازات السفر. المسافر السوري موضع شك وشبهة، يحمل شيئاً ما قابلاً للتفجير، ربما كان زناراً ناسفاً، أو طالباً للجوء، مدعياً الفرار بعائلته من عسف سلطات بلاده، لم يبق له من مأوى، حتى الخراب الذي أمسى عليه بيته، سوّي بالأرض، البراميل المتفجرة والكيماوي لم تسعفانه، وتقضيان عليه، فشق طريقه نحو المجهول، وربما هناك قادم من بلاد أخرى ليحل محله على الأرض التي ولد فيها، وكاد أن يموت فيها.
فتح العالم أبوابه أمام السوريين الذين تكبدوا عناء الوصول إلى ما يشبه الأمان، مشياً على الأقدام، أو ركوب البحر، ولاقوا الأخطار المميتة، تشهد عليها مسالك التهريب التي تساقطوا فوق أرضها ودفنوا فيها، أو اختنقوا في شاحناتها، وغرقوا في بحارها، وتشهد على وصولهم، الهراوات التي استقبلتهم عند الحدود، ولاحقتهم إلى المخيمات.
لا يشعر الغرب تجاه السوريين بالتقصير، ولو أنه لم يساعدهم في نيل حرياتهم. من المبكر -حسب اعتقاده – إسقاط النظام، والمطالبة بالدولة المدنية وسيادة القانون، بعدما ثبت لديهم أنها الطريق إلى الإرهاب، لا إلى الديمقراطية، فالفلتان أدى إلى تدفق مئات الفصائل المتقاتلة، وقيام خلافة قطع الرؤوس، وغرق سورية في الدماء. ويكفي التذكير، بما تخلف عما يُدعى ثورة، ملايين القتلى والمعاقين والنازحين واللاجئين.
” ماذا يكون السوريون في نظر العالم؟ الإجابة لا تحتاج الى تفكير”
كان الربيع نقمة على السوريين، بعدما كانت بلادهم من أكثر البلدان انضباطاً، لذلك من الحكمة أن تعود وتصبح ثانية من أكثر البلدان انضباطاً، ولو كان تحت رعاية الروس والإيرانيين، وحكومات بلدان الغرب أيضاً.
والطبيعي، ليحل السلام في ربوع الخراب السوري، ألا يُسمح للسوريين بالتعبير عن آرائهم، لا سيما الذين في الداخل، إلا إذا كانت متوافقة مع البث الفضائي في القنوات الرسمية والصديقة للنظام. بعدما بات لسابقة مظاهرات “الربيع العربي” درس بليغ، العبرة منه تذهب إلى منع حتى التفكير، ما دام هناك نظام يفكر عن الجميع، لذلك ينبغي التقيّد بالأوامر الصادرة عن دوائر القرار، ولئلا نبالغ، الدائرة واحدة هي المخابرات، والمفكر واحد.
أما الذين في الخارج، فالأرجح ألا تكون عودتهم، وكأنها من سيران أو رحلة كشفية، لا بد من اخضاعهم إلى فحوص أمنية. لدى النظام السوري أرشيف ضخم يغطي الاتجاهات السياسية للشعب السوري، وما اقترفوه من جرائم وجنح في التعبير عن آرائهم.
في التمهيد لسورية آمنة تماماً، سيكون للمخابرات اليد الطولى في تقرير من يدخل البلد، أو يزج في السجن، أو يوضع تحت الرقابة، أو يرسل إلى القبر.
يطرح هذا الاستعراض قضية عودة السوريين من الخارج، فهم كالفلسطينيين يريدون العودة الى بلدهم. لن نناقش مصائرهم، وإنما سنذكر بأن سياسات العالم بوسعها أن تكون عادلة، كما بوسعها أن تكون قذرة… حتى الآن كانت قذرة.
-
المصدر :
- العربي الجديد