يبدأ فوّاز حداد تحفته الأدبيّة، بعبارة مدهشة ” ترتبط الذّاكرة بالبصر والبصيرة. بالنّسبة للبصر، أنا لا أرغب في أن أرى، أما البصيرة فقد أصابها أشدّ من العمى. “
سافر بنا الأب (مجهول الاسم) الذّي تعمّد فقدان ذاكرته، غير أنّه عاد ليروي لنا تفاصيل ما حدث، نحو عالم قاسٍ يطغى عليه اللّون الرّمادي القاتم، إذ إضطرّته الظّروف القاهرة للسّفر إلى العراق فترة الغزو الأمريكيّ، البلد الذّي يغيب فيه العقل، المنطق، العدالة والرّحمة، لتزرع مكانهم الوشاية، الخيانة، الظّلم، القهر، الخطف، الذّبح والقتل على الطّائفة والدّين والهويّة والإسم.
يبدأ الأب المناضل اليساري القديم بتذكّر ما حدث وما كان، بدءً بصديقه حسان، زوجته سابقاً وإبنته ندى، وصولاً لحبِيبته سناء؛ ثمّ تتجه الذّاكرة نحو رسم هول الأحداث والمجازر التّي إعترضته في طريقه إلى أحراش الإرهابيّين المتخفّين بالإسلام، أملاً في إنقاذ إبنه سامر الشابّ الذي إنتمى إلى تنظيم إرهابيّ من خلال دراسته في بيروت..
فيذهب بمعونة جيش الاحتلال وفي رحلة بحثه يطّلع على فضائح الجنود الأمريكيّة وطرقهم في الإيقاع بين الأطراف المتناحرة حتّى إتّجه بهم الحقد لقصف شارع كامل بحثاً عن مقاوم، كما تتّخذ المشاهد بعداً وحشيّاً آخر فهنا التّنكيل والقتل والذّبح وتقطيع رؤوس النساء وقصّ أرجل الرّجال الذّين يلبسون بناطيل قصيرة.. تتفاقم المعركة والأزمة على أرض بغداد التّي لم تعد حاضرة الدنيا ولا كعبة المجد والخلود، أصبحت ميداناً للتّقاتل من مختلف الجهات: من المسيحيّين الذّين يباركون المجازر والغارات في حقّ الأبرياء وصولاً للذّين يضعون فكرة تفجير النّفس تحقيقاً للشّهادة ..
بعد جهدٍ طويل، يقرّر الأب الانضمام إلى جماعة إرهابيّة من أجل الالتقاء بإبنه فينصدم الأب بما لإبنه من وقارٍ وتبجيلٍ في جماعته، يحاول جرّه معه وإعادته إلى حياته الطبيعية بعيداً عن القتل والتّعذيب والتّفجير والذّبح، لكنّه يفشل ويعود فارغاً من كلّ شيء عدا المشاهد الوحشيّة التّي طبعت في ذاكرته، تنتهي الرّواية بمشهد الوداع الأخير بين الأب وإبنه فيقول :
” عانقني مودّعاً، قبّلته، قبّلت الطفل الذي كانه، والأمير القاتل الذّي أصبحه، والجريح طالب العدالة. “
-
المصدر :
- عربي 22