هل لديك الرغبة والتصميم على كتابة رواية؟ الكتابة سهلة جدًّا، لا داعي لتقليد كاتب، أو السعي لاقتفائه، لسبب بسيط، لن تكون أنت بل الآخر، الآخر مشوَّهًا، وربما مع القليل أو الكثير من الاختلاف، عالمُه لن يكون عالمك.

كما لن يساعدك الاطلاع علـى نظريات عن الكتابة، ستتعبك إن لم تُعرقلك، دع النظريات والتنظير للنقّاد، هذا عالمهم، وغالبًا لا يرشح عنه ما يُفيد الكاتب، وإن استفاد الأدب، فلا تضيّع وقتك، ربما فيما بعد عندما تصبح لديك تجربتك الخاصّة، يصبح بوسعك ولوج معمعة التنظير، قد يقدّم لك شيئًا جديًّا فعلًا.

لا يصحُّ أن تبدأ من فراغ، لا بدّ من فكرة ما، فكرة تستهويك، أو تشغلك بإشكالاتها، قد تحرّضك على الكتابة، ولا يُشترط أن تتقيَّد بها، قد تقودك إلى أُخرى، لا تظن أنَّ ما فكّرتَ به ذهب أدراج الريح، سيعود إليك، لا تقول الرواية شيئًا واحدًا، بل أشياء كثيرة، الحياة تعجُّ بالأفكار، هل هي صحيحة، أم خاطئة؟ لا يُشترط أن تكون على صواب، الأفكار الخاطئة مفيدة أكثر من الصحيحة، لأنّها تعبث بنا، بينما نحن نقاومها، لهذا أخطاؤنا تتكاثر، عسى نظفر بالصحيح.

لا تستمع لأحد، ولا تنزع عينيك عمّا يدور حولك

نحن أفكار تتسارع على الأرض، لهذا نُسرع في الشارع، كأنّنا نُلاحقها أو تُلاحقنا، الأفكار مكدَّسة لهذا نتكدّس في المقاهي والمطاعم. حاول أن تنسل ما تفكر فيه، لن تخطئ طريقك إن تعثّرتَ أو ضعت، سوف تستهدي بها أو بغيرها، إن لم تعثر عليها.

لماذا الفكرة؟ شخصيات روايتك لن يكتفوا بالصمت، حضروا إلى الرواية ليتكلّموا، أي سيفكرون بشيء ما، وإلّا على ماذا سيختلفون ويتنازعون؟ أليس عمّا يقلقهم؟ لا تتعب نفسك، الأفكار تدور حول الغضب من العالم، أو محاولة الثورة عليه، أو الاعتقاد أنه سيتغيَّر من تلقاء نفسه، فينتظرون، إن لم تكن هي بالذات، فمشتقّة منها، لا تغيب عنها أمورنا الصغيرة والكبيرة، ولا عن مسائل الحياة والموت.

ثمّ المكان، ويُقصد به بيت، شارع، مقهى، زقاق، حديقة، ساحة حرب، دائمًا هناك مكان، حتى إذا رغبت في كتابة قصّة خيالية، لن تنجو من المكان، فالخيال أيضًا يهيم في فضاء ما، حتى الفراغ مكان. لماذا المكان؟ لأنّ شخصيات روايتك سيمشون على الأرض ويتجوّلون في أكثر من مكان واحد، أين سيتناولون قهوة الصباح في البيت أم المكتب؟ وأين ستقع جريمة القتل، في الشارع أو بناء مهجور، أين ستُسجّى جثّة القتيل؟ على مائدة التشريح أو البرّاد. كما أنّ الخيانة تحتاج إلى مكان خال، ولو كان في الهواء الطلق، حتى لو كنت تبكي وحدك، فسوف تحتاج إلى مكان تخبّئ فيه وجهك، قد يكون بين كفّيك.

طبعًا، لن تنسى شخصيات روايتك، حتى لو كانوا أشباحًا أو ظلالًا، حقيقيّين أو متوهَّمين، بشر لهم عقل وقلب وسيرة حياة، وربما ماض مؤلم، وحاضر قاس، ومستقبل مجهول، بمجرّد أن تُمسك بشخصية لا تتخلَّف عنها، اركُض وراءها، ستقودك، ادخُل في عقلها وقلبها، كلّما ابتعدت عنها سيعسر عليك كتابتها، وكلّما اقتربت منها ستكتب نفسها بنفسها.

لن تنجو من المكان، فالخيال أيضًا يهيم في فضاء ما

بالمناسبة، لا يكتب الروائي روايته وحده، بل يتشاطرها مع أبطاله، لكن يجب إتاحة المجال لهم، وذلك بالتعرُّف إليهم، قد يحبّهم أو يكرههم، كلُّ واحد منهم عالَم قائم بذاته، سواء كان ضعيفًا أو هامشيًا وربما بطلًا خارقًا، دعه يتكلّم وسوف يُفرج عن أفكاره ونواياه وخططه، قد تتعاون معه، أو تضطرّ إلى قتله، وربما وفَّر عليك وانتحر.

قد تنسى الزمن، أنصحك أن تأخذه بعين الاعتبار، لا بد من أن تشير إليه، دائما تختلف روايتك من زمن إلى زمن، الوقائع ستتغيّر، والأفكار ليست نفسها، فالحب بين رجل وامرأة سيختلف من عصر لعصر، وربما كانت الرواية في جوهرها ملاحَقةَ مصائرنا… هذا ما يقال، إنّ الرواية عن الزمن، جميع القصص لولاه، هي نفسها… فالأزياء تتبدّل، وما كان حبًّا قد يُصبح عهرًا، وما كان عهرًا قد يجلب الثروات، وما كان جميلًا قد تُسفك الدماء لجعله قبيحًا.

كذلك الحبكة، وهي العمل على حبك هذه العناصر مع بعضها بعضًا، ما يؤدّي إلى تفاعلها، هناك من يخطّط لها، وقد تأتي محبوكة. لا تستطيع الفكرة الحراك بحرية إلّا إذا تلمَّسَتْ موطئ قدميها.

اقرأ كثيرًا من الكتب، لتُدرك كم عالم الرواية يشابه الحياة بتنوّعه وكثافته وجماله ورعبه، وتعدُّد النظر إليه، الرواية معجزة بسيطة جدًّا، أشبه بالمعجزة العظيمة للحياة، طبعًا لا تضارعها على الإطلاق، تولد من الأخطاء والزلّات والخطايا، والألم والدموع. إنها جهد بشري خالص، لذلك تحلَّ بالتواضع، فلا تظن أنك خالق ما. روعة الرواية الإحساس بلغز الحياة والبشر، صحيح أنك ستشعر بالعجز، لكن طموحك يعوّضه، فالحياة هذا السر، لا تستهن به، الرواية تنحو إلى فضحه.

هذه ليست مادّةً لتعليم كتابة الرواية، هناك محترفات لتعليمها، مع أنّني أعتقد، وبشكل لا يقبل التراجع، أنّ الرواية مرض، يؤازرها عدم الرغبة في الشفاء منها. إن لم تكُن مريضًا بها، فلن تصبح روائيًا، إنها حياتك.

أخيرًا لا بدّ من نصيحة، لا تستمع لأحد، أصغ إلى أعمق ما في روحك، ولا تنزع عينيك عمّا يدور حولك، ربما أفلحت.