يدل تعبير النظام الدولي على توزع مراكز القوة في العالم، كما يوحي بنوع من التنظيم ليس عشوائيا ما دام لكل دولة حجم ووزن يقدران بفاعليتها في التأثير. كذلك داخل الدولة الواحدة، حسب توزع مراكز القوة، الرئاسة، السلطة التنفيذية، السلطة التشريعية، لكل منها وظيفة وصلاحيات. فالنظام يعني أيضا تنظيم عمل هذه القوى، لئلا تعتدي سلطة على سلطة. هذا بشكل مبسط، وهو في النهاية يشكل الجوهر في ترتيبات أي نظام، أما الهدف فهو العدالة بما يحققه للبشر.
كما يبدو، أصاب الوهن المصطلحات، ولم تعد تعني ما توحي به، إن لم يكن بعكسه، فالنظام العالمي يوحي بالفوضى والظلم، فهو لا يعمل حسب مبادئ العدالة، ولا يحمي الضعفاء من الأقوياء، عالم لا ضمانه فيه أكيدة للحريات واحترام حقوق الإنسان.
إن استحالة تعاون القوى الكبرى، يتبدى بجلاء في عدم حل أزمة باتت عالمية وهي الحرب في أوكرانيا. تضاف إلى أزمات أخرى، تتراكم مع الوقت
ما يشهده العالم حاليا، هو إحياء للطموحات الإمبريالية، وعودة المنافسة بين القوى العظمى، فبوتين يسعى إلى إمبراطورية روسية، لا يتورع من أجل تحقيقها عن شن حرب مدمرة، لا سيما عدم وجود قيود داخلية تراقب وتمنع. فهو لا يقل عن دكتاتور، سواء على وزن قيصر أو ستالين. أما الصين، فقد انتخبت للمرة الثالثة شي جين بينغ، مع سلطة مطلقة، تحيلنا سياساته إلى استمرار السعي للصدارة العالمية، في مسار يؤدي إلى زيادة المنافسة مع الولايات المتحدة في الصراع على الموارد.
إن استحالة تعاون القوى الكبرى، يتبدى بجلاء في عدم حل أزمة باتت عالمية وهي الحرب في أوكرانيا. تضاف إلى أزمات أخرى، تتراكم مع الوقت، مثل تغير المناخ، انتشار الأوبئة والأسلحة النووية. كذلك ارتفاع حالة عدم الاستقرار، تسببت به إيران في الشرق الأوسط، بدأت بالتضافر منذ أكثر من عقدين، وآخذة بالتفاقم نحو خلق أخطر ظرف يشهده العالم منذ الحرب العالمية الثانية، يجري التغافل عنها، وتتركز في سوريا، حيث يعتبر النظام أنموذجا مصغرا لوضع موغل في الانفلات والفوضى، إلى حد يصح من فرط انحداره إلى الأسوأ، تصنيف سوريا؛ دولة فاشلة.
منذ سنوات، باتت سوريا أرضا مفتوحة للاحتلالات العسكرية المختلفة، كما أن سماءها أصبحت مفتوحة للطيران الإسرائيلي، ما جدد احتلال الأرض، وأضاف إليها السماء، بغارات جوية تنال من مخازن الأسلحة الإيرانية وخلايا ميليشياتها وقواعدها العسكرية، مع السعي الدؤوب إلى قطع خطوط الإمداد مع حزب الله في لبنان. مؤخرا، استهدفت كثافة غاراتها البنى التحتية المدنية السورية، مثل مطارَي حلب ودمشق الدوليين، بدعوى استخدامها في هبوط طائرات تنقل السلاح، مع مراقبة الجنوب رصدًا لأي نشاط قد تقوم به إيران أو وكلاؤها. منذ الأشهر الأولى للحرب، رافقت هذه التدخلات محاولات إيران استغلال الوضع لتوسيع نفوذها العسكري في الجنوب.
مع هذا، لم تفتر إيران وحزب الله عن تعزيز وجودهما سواء في جنوبي سوريا أو في مناطق شمال شرقي سوريا، بطرق غير عسكرية. برفع وتيرة ما يدعى بالأنشطة الخيرية والإنسانية الإيرانية، ونشر التشيّع، فضلا عن تغلغلها في الجيش وقوات الأمن.
يتوقع للتصعيد الحالي تزايد، تسبب به الانخراط الروسي في الحرب الأوكرانية، وانسحاب بعض القوات الروسية من سوريا، ما سيؤدي إلى احتدام التنافس على النفوذ بين الميليشيات الإيرانية والميليشيات المحلية في محاولة إغلاق الثغرات التي تركها الروس وراءهم، وذلك بموافقتهم.
أضاف النظام حربا أخرى بشنه على العالم حملات متسارعة، من تهريب المخدرات إلى الأردن ودول الخليج. لا يتوقع أن تتوقف على الرغم من استنفار دول كثيرة في العالم
وتحتدم في الشمال الاشتباكات بين الفصائل بأنواعها المختلفة، تحت الكثير من الذرائع أهمها التفلت الأمني، وممارسة عناصرها من القمع ما يجاري النظام وقد يفوقه أحيانا. وتحاول تركيا وضع حد لها، وهو وضع مؤقت، يهدد بالانفجار على الدوام.
بينما لا يزال النظام السوري، أحد الأطراف الأكثر ضعفاً، والأكثر تأثيراً. ففي درعا، يواصل شنّ حرب محدودة ومتنقلة من منطقة لأخرى، يحقق فيها بعض الانتصارات، ويتكبّد أيضًا خسائر في الأرواح عن طريق الاغتيالات. وفي محافظة السويداء، التي يعاني سكانها من الانفلات الأمني، تصدت له بعض التشكيلات المحلية، وعلى الرغم من أنها هزمت ميليشيات مرتبطة بالنظام، لكن الأمل في حدوث تغيير يؤدي إلى الاستقرار والأمان، لا بارقة حقيقية له.
أضاف النظام حربا أخرى بشنه على العالم حملات متسارعة، من تهريب المخدرات إلى الأردن ودول الخليج. لا يتوقع أن تتوقف على الرغم من استنفار دول كثيرة في العالم على رأسها أميركا، لكن بات يستحيل ضبط شبكات عائدة إلى النظام والفرقة الرابعة وميليشيات مستقلة، تعمل كلها تحت رعاية النظام أو إيران وحزب الله، تؤمن لها عائدات تبلغ المليارات.
وإذا كان النظام يبذل بمساعدة إيران وإلى حد ما روسيا الجهد للاستفادة من الموارد المتبقية في سوريا، وانتزاع الأموال من رجال الأعمال، واستبدالهم بطاقم جديد، وتصفية الحساب مع الميليشيات التي استفادت من النهب، وفصم شراكاته مع الشبكات الإجرامية، والعمل على استثمارات ترفيهية، والمتاجرة بالمخدرات، لكنه غير قادر على توفير للمواطن أبسط الخدمات الأساسية، ووسائل العيش الضرورية.
جميع المشكلات المعيشية والقضايا الكبرى معلقة في الداخل السوري، لا يمكن حلّها إلا بمشاركة موسكو، بدءا من الغارات الإسرائيلية والتغلغل الإيراني، والافتقاد إلى الأمن، والأوضاع في إدلب، والحكم الذاتي الكردي، والوجود التركي. هذه القضايا كلها مع عدم امتلاك النظام رؤية للدولة، تحيلنا إلى تأجيل الحل السوري إلى أمد غير معلوم، موسكو اليوم في عالم آخر، وربما في انتظار انتهاء الحرب الأوكرانية بسقوط بوتين، أو تصاعد الثورة في إيران، ما يؤدي إلى اختلاط الأوراق من جديد مع بعض الأمل. وإذا فكرنا بحالة مستعجلة، فهي صحوة المعارضة من غيبوبتها، وهو ما يبدو مستحيلاً.
إن لم يسترد النظام العالمي عافيته، فسوريا في مهب الفوضى.
-
المصدر :
- تلفزيون سوريا