تنال الروايات ذات الحجم الكبير الكثير من الانتقادات. وفي المنطقة العربية ميل واضح للروايات متوسطة الصفحات من 200 صفحة أو أقل، وهو أمر ظاهر من الإقبال عليها، يدعمه رأي يقول ما الذي يستوجب هدر مئات الصفحات، على ما يمكن أن يقال أو يعبّر عنه بمائة صفحة، وربما أقل. الإفاضة في التفاصيل عدا أنها تثقل على القارئ، يمكن الاستغناء عنها، فالمهارة في الإيجاز والتكثيف لا في الإطالة والإطناب.

إن أردنا مسايرة أصحاب هذا الرأي على الرغم من براءته، يمكن القول، لا شك في أنه من اليسير اختصار الرواية إلى ما نرغب في التعبير عنه، من دون ثرثرة وتطويل، في بضع صفحات، كافية لما يراد قوله، وإذا شئنا مسايرتهم أكثر، يمكن الاكتفاء ببضعة أسطر. مثلما يمكن اختصار حياة بكاملها بكلمتين: عاش ومات. لكنها ليست حياة، مثلما لن تكون هناك رواية.

الرواية ليست فن الثرثرة، ولا الذهاب إلى التفاصيل أو الاستمتاع في الغوص في ما لا يعني إلا كاتبها. تقزيم الرواية إلى هذه الخدعة، وربما البراعة، عدا أنه شطط في الاختصار، لا يخلو من إجحاف كبير بهذا الفن. كما أنه رأي متسرّع، إلا إذا شئنا الاستشهاد بأمثلة تعاني من هذا الداء السقيم، الذي يؤذي الرواية، إذ لا خلاف على أنه من ميزات الرواية الضحلة.

” الإفاضة في التفاصيل عدا أنها تثقل على القارئ، يمكن الاستغناء عنها”

قد لا يهتمّ بالعملية الروائية إلا النقاد والمهتمون بهذا الفن. أما القارئ فلا يهتم إلا بقدرة الرواية على أن تجذبه إلى متابعة قراءتها، ولو زاد عدد صفحاتها على الألف. هذا لا يتحقّق إلا في حال كان الموضوع حسّاساً بالنسبة إليه، ويهمّه التعرّف على ما يجهله، أو يعرفه ويرغب في الإلمام به بشكل أوسع، إضافة إلى أن الأفكار المطروحة، قد تجود عليه بإجابات على تساؤلات يطرحها على نفسه، وربما إثارة تساؤلات لم تخطر له، ليست مجرّد إجابات أو تساؤلات تعوم في فراغ، بل تعنيه من خلال شخصيات لا يهم إن كانت تشبهه، فالناس ليسوا نسخة طبق الأصل عن بعضهم بعضاً.

وربما في حدث راهن، أو في الذهاب إلى التاريخ والعبور إلى عصر كان مفصلاً في تاريخ بلده أو البشرية، ولا يُستثنى الذهاب إلى مستقبل لم يلح بعد. هذا فوق طاقة القصة القصيرة، والروايات اللطيفة الحجم على الرغم مما فيها من جمال وابتعاد عن التفاصيل… مهما بلغت من عمق.

لا أهمية لعدد الصفحات، ما دامت الرواية محاولة ترتكب مخاطرة الولوج إلى عصر والإحساس به، مهما جهدت في اقتناصه، تشكو من النقصان. رحلة في عالم نعرفه، أو عالم لا نعرفه. وفي حقيقتها الكبرى، اختراق عالم مجهول، هو عالمنا بالذات الذي نعيشه، ونتلمسه أشبه بالعميان، عسى ندركه، عسى نعرف موقع خطواتنا فيه، عسى نعرف شيئاً ما عنه، عسى نتبيّن معنى وجودنا فيه… ربما ساعدتنا الرواية.