من الإجابات التي باتت تُعد من الأجوبة المُسكتة، ردّ الكاتب عما يريد قوله في أعماله الأدبية أو الفكرية، بأنه لا يقصد أكثر من طرح الأسئلة، وليس تقديم إجابات عن إشكال أو معضلة، بزعم أن هذا الزمن أو الحالة أو الظرف يستلزم إثارة التساؤلات. ومن فرط ما حاز هذا الرد على الإعجاب، كثر استعماله وشاع، من جانب أنه ينبه إلى أزمة، في حال كشف عنها، أخذت طريقها إلى الحل. هذا الرد أصبح حكراً على الأدباء، لا يشمل السياسيين والعسكر والمثقفين، هؤلاء لديهم الإجابات عن كل سؤال، لا يخشى السياسيون الإفصاح عنها، وإن كان ما يظهرونه عكس ما يبطنونه، أما العسكر فجوابهم ولا أوضح ومن دون انتظار: الدبابات. بينما المثقفون تجيب أيديولوجياتهم عنهم.

تبنى هذا الرد بحماسة الأدباء من روائيين وقصاصين، ومخرجي الأفلام السينمائية والفنانين التشكيليين، السؤال هو المهم، بينما الجواب من مهام مراكز الأبحاث، ولم يعد الباحثون المتوارون عن الأنظار في مكاتبهم، إلا شغيلة وبروليتاريا زماننا، وقع عليهم عبء التفكير، والعقاب إن لم يحسنوا التنبؤ بالمستقبل.

قبل عقد، انتشرت هذه اللازمة في وسائل التواصل الاجتماعي، وأبدى الناشطون هوساً بطرح تساؤلات، أصبح الغرض منها إثارة الشكوك والقلاقل، كموضة سائدة تعتمد الإشاعات والأكاذيب وترويجها. ولم تأخذ أية مشكلة طريقها إلى الحل، بقدر ما كانت المشاكل تتراكم. وهكذا أصبحنا نطفو فوق بحر إن لم نقل محيط من الأسئلة، في الوقت الذي افتقدنا مثقفاً أو أديباً أو فناناً يتواضع للجواب، ولم يعد الطرح الدؤوب لإثارة الأسئلة إلا العجز عن محاولة الإجابة عن مسائل تختص بحياتنا وبأنظمتنا السياسية وأحوالنا المعيشية.

إن الفكرة التي تقول إن الكاتب أو المثقف يجب أن يكتفي فقط بطرح الأسئلة دون البحث عن أجوبة قد تكون صحيحة في بعض الأحيان، خاصة في مجالات مثل الفلسفة، حيث أن الهدف يكون في غالب الأحيان تحفيز التفكير، لكن لا بد من ملاحظة أنه يجب تجاوزها إلى محاولة الإجابة عنها، أو تقديم أفكار حولها. إن كبار الأدباء لم يتوانوا غالباً عن طرح أسئلة عميقة حول الإنسان والمجتمع والحياة، ولم يقفوا عند الطرح، بل عرضوا تجاربهم وأفكارهم وآراءهم الخاصة.

لا يجوز الاستخفاف بسعي الكاتب لتقديم إجابات، حتى لو كانت مؤقتة أو غير كاملة، لأنه من خلالها قد يساهم في إحداث تغيير ما، لكن المتعففين عنها يغفلون سواء عن جهل أو علم، أنه في كل عصر، وكل زمن، يحرضنا الواقع على التساؤل، أي أنه يسأل، لا لنجيب بسؤال. كما تطرح الحياة تساؤلاتها التقليدية علينا، لا ليكون الرد بالتساؤلات، إلا إذا كنا نعفي أنفسنا من التفكير والعمل، والاتكاء على رفاهية الترفع والكسل والتأمل.

الأدب الذي يسعى للوصول إلى بعض الإجابات يعطي نوعاً من الأمل

الحياة مليئة بالتحديات التي نواجهها يومياً، والأدب هو وسيلة لفهمها بشكل أعمق والتفاعل معها، يملي على الكاتب ألا يدير ظهره لها، بل البحث عن منافذ، تتيحها الكتابة، ما يساعد القارئ على فهم نفسه والعالم من حوله. عندما يطرح الكاتب سؤالاً، ويحاول الإجابة عنه، يشاركه القارئ رحلته على مستوى آخر، يدور على الأرض، نحو حلول عملية، أو على الأقل فهم أفضل لما يتعرض له. أعتقد أن الأدب الذي يسعى للوصول إلى بعض الإجابات يعطي نوعاً من الأمل أو الفهم، حتى وإن كانت الإجابة غير دقيقة أو غير نهائية.

اليوم، كما الملاحظ، يطرح خليط من مثيري الضغائن والأحقاد أسئلة ملغومة حول الوضع السوري، توحي بالجواب الذي لا يقل عن اتهام بلا دليل ولا برهان، يمكن رده إلى التنصل من سورية موحدة، وعرقلة إنهاء محنة تمزقها.