لم تعد الكتابة عن الحدث السوري سبقاً صحافياً يتسارع إليه الكتّاب بمختلف أنواعهم، ليسجّلوا انتصاراً في سوق تنافسية يعلن فيها عن وصولهم إلى خط النهاية قبل غيرهم في استشفاف المستقبل.
لكن إذا كانت هناك بداية، فالنهاية لم تلح بعد، وإن استوقفنا ادعاء الموالين أنهم مغبونون، وزعمهم أن المعارضين إذا سبقوهم، فإلى الشهرة والمال. ويتجاهلون عن عمد أن الشهرة باتت محصورة في وسائل التواصل الاجتماعي، ولا تدوم أكثر من ساعات، فالأحداث تتلاحق، ولا مبرّر للتوقف طويلاً عند تعليق ومقال، بينما المال شأنه أسوأ، فالكتابة لا تكدّس ثروة، وإذا درّت فما يسدّ الرمق.
وللتأكيد، مبيعات الكتب من روايات وقصص وتحليلات استراتيجية بالعشرات، وإذا بلغت المئات، فهذا من قبيل ضربات الحظ النادرة، خاصة وأن مستهلكيها بالدرجة الأولى؛ اللاجئون والنازحون، ولن يغامروا بشراء كتاب.. الخبز أولى، إضافة إلى أن الدول الداعمة لا تدعم الكتب ولا ترحّب بها، لئلا تستعاد حكاية “الربيع العربي”، بينما التشجيع منصرف إلى نسيانه، وهكذا لا محل للحديث عن تنافس سياسي أو أدبي أو تجاري.
” الشهرة باتت محصورة في وسائل التواصل الاجتماعي، ولا تدوم أكثر من ساعات”
بالمناسبة، لم يتخلّف الموالون المنافقون عن هذه السوق التنافسية المختلقة، تمظهر دخولهم إلى الحلبة بالكتابات السياسية، ولأنها مفضوحة تكذب بصفاقة، وأمثالهم من الموالين لا يصدقونها؛ لم تحدث أثراً.
بينما تتجلّى في الأدب، وخاصة في الرواية لأنها تحتمل الكذب، فشاركت في هذا السباق الوهمي تحت لافتات معارضة، ساعد على انتحال هذه الصفة، أن دكاكين المعارضة تعدّ بالمئات، ولا تسترعي النظر ولا الاهتمام؛ فائدة التحايل، أنه نشاطات بوجهين تضاف إلى سجلاتهم، يظهرون الوجه المناسب في الزمان المناسب. فهم موالون ومعارضون في آن واحد.
لا مشكلة، ما داموا يحاذرون التعرض للنظام أو للمعارضة بسوء، فمن طرف لا يتجاهلون المظاهرات السلمية التي بدأت بها الاحتجاجات، فأشادوا بها. ومن جانب آخر، غضوا النظر عن قيام النظام بسحقها، ثم حددوا أطراف النزاع بين جيش البلاد والإرهابيين، وكأن جرائم “داعش” والنصرة تمحو جرائم النظام والشبيحة والمليشيات المذهبية. فكانت كتاباتهم نظيفة، فلا ثورة ولا مخابرات ولا نظاماً دكتاتورياً ولا مافيا النهب المنظم، ولا رئيساً وضع البلد تحت احتلالين، ولا عائلة مالكة تملك الأرض ما تحتها وما فوقها، والهواء الذي نتنفسه.
أحياناً يبلغ بهم تضخم الذات، أنهم يغردون فوق النظام والمعارضة معاً، ويظهرون من الروح الإنسانية طاقة تطغى على الإنسانيين العالميين، غير أن إنسانيتهم من فرط روحانيتها لا تلقي نظرة على معتقلات النظام ولا الموت تحت التعذيب، أو تهجير الأهالي عن أراضيهم ومنازلهم، ففي تحليقهم في السماوات العليا، لا يرون ما يجري على الأرض.
إذا كانت هذه هي الإنسانية، فسورية لم تبتل في أي عهد من عهودها بحثالة بلغت بها الصفاقة هذا الفجور، عندما يصمون آذانهم ويتعامون، عما يجري تحت أسماعهم وأبصارهم.
-
المصدر :
- العربي الجديد