كان هناك زمن ليس ببعيد، كان فيه الترويج للأدب ممجوجاً وغير مستساغ، إذ يبدو دخيلاً على الأدب وتطفلاً، إن لم يكن تغريراً بالقارئ. تلخّص تسويق الكتاب في ذلك الوقت بالحد الأدنى، بحيث لا يزيد عن إعلان متواضع عن صدوره.
كان الكُتّاب يعتقدون أن احترام مهنتهم الأدبية يُملي عليهم النفور من أي شيء مصطنع يحيط بها، سواء عن حق أو باطل. بمعنى أن على كتابهم أن يشق طريقه وحده بين القرّاء، من دون وساطة، سواء كانت هذه وساطة خير من أجل المعرفة، أو شريرة من أجل المال.
كان كل ما يأمله الكتّاب هو الظفر بمقال أو مقالين نقديين ضمن منهجيات واضحة تدلّل على أهميته في المكتبة العربية، والإشارة إلى الجهد المبذول فيه، غير أن الأحزاب، خاصة الشيوعية، أدخلت مادة الترويج للكاتب، فقد كان فيها إشادة بالحزب الذي أنجبه.
اختلف الزمن، وأصبح التخلّف عن الدعاية والإعلان، تقصيراً في حق الكِتاب والكاتب والقارئ معاً. بات وارداً أن يسبق الكتاب إعلانٌ، ويواكب صدوره تقديمٌ، ثم تلحق بهما مراجعات تطنب في مديحه، وأن يتكلّم عنه المؤلف بمناسبة وغير مناسبة، ومن الطبيعي أن يجد له صلة ما مع حدث آني، ربما كان عن حقوق المرأة، أو العدالة، أو الثورة… كل هذا محتمل، فالكِتاب حمّال أوجه. هذا عدا الاختراقات الأخرى، ليس بالمصادفة، وإنما بالسبق إلى التنبؤ بأحداث وقعت، وإذا كان لم يتنبأ بها، فهو لم يغفلها.
يضفي الشطط المبالغ فيه في الإعلان عن الكتاب قدراً من الإقناع بأهميته، ما يدفع إلى شرائه. ولا يستبعد أن يخيب في ما بعد ظن القراء، وقد لا يتجرّأ بعضهم على الإفصاح عن رأيه، ظنّاً منه أن الخلل في ذائقته وليس في الكتاب بسبب قوة الإعلان والترويج للكاتب. عموماً، إذا تعرّض القارئ للخديعة مرة، فلن تمر عليه مرة ثانية، سوف ينتقد الكِتاب حتى وإن كان لكاتب معروف، مُعلناً أنه لم يعجبه، وعلى التأكيد سيجد من يُسارع إلى تأييد رأيه من هؤلاء الذين لم يعبّروا عن رأيهم، لئلا تُتهم ذائقتهم بالتخلّف.
يعرف النقاد أن بوسعهم أن يجدوا في أي كِتاب مادة للمديح مهما بلغت تفاهته، وفي المقابل بالوسع أيضاً اختلاق عشرات العيوب فيه، مهما بلغت أهميته. للنقاد سطوة لا تقل عن سطوة منفّذي الإعدامات، لكن لم يعد لهم سوى دور ضئيل جداً. اليوم تقوم الصحافة بتقييم الكتب بشكل اعتباطي، حيث يقوم بهذه المهمة غالباً صحافيون لمجرد أنهم كُلفوا بذلك.
أصبح الترويج للكِتاب أكثر سهولة، إذ تقوم دور النشر به لتسويق مطبوعاتها، وقد يلجأ الكاتب إلى الأصدقاء من الأدباء لدعمه، وعادة ما يكون المديح على قدر المودة والصداقة، وربما على قدر المنفعة.
المشكلة أن الأدب يفتقد إلى النقد أكثر من الترويج، وإذا لاحظنا أننا نفتقر إلى النقاد، فلا مفر من اللجوء إلى الإعلان عن الكِتاب، ولو أنها تحيل تسويقه إلى لعبة أكاذيب.
-
المصدر :
- العربي الجديد