على أعتاب العام الخامس للثورة، تتبلور صورة لسورية ممزقة الأوصال، وهو واقع الحال، كما أنها ذاهبة إلى المزيد من الحرب والتمزق، تتنازعها القوى المسلحة، أجزاء منها تحت الاحتلال بدعم من ميليشيات عراقية ولبنانية بإشراف مباشر من إيران، وأجزاء أخرى أصبحت من ملاك دولة الخلافة الإسلامية المؤقتة، العاملة على توسيع رقعة حدودها التي بدأت بالتآكل. مناطق في الشمال والجنوب تحت سيطرة ميليشيات إسلامية، هناك بعض الجيوب تحت سيطرة الجيش الحر. إضافة إلى تكاثر عصابات الجريمة والخطف، هذه العصابات تنتحل غالباً هويات المجموعات السابقة، أحياناً بمشاركتها، أو بالتواطؤ معها.
الوضع السياسي، أكثر ما يبدو وضوحاً ودلالة في التصريح الأخير لوزير الخارجية الأمريكي، الذي أعرب فيه عن استعداد أمريكا للحوار مع رأس النظام السوري، تبعه تفاؤل النظام، ومطالبة بالأفعال لا بالأقوال، أعقبه كذلك موجة احتجاجات عربية وغربية مضادة، تداركت واشنطن التصريح وخففت من وقعه، ونفت الحوار على الشاكلة التي أعلنها الوزير كيري، لكن الحوار أصبح وارداً.
ليس المهم التصريح ولا نفيه. في كل يوم تصدر تصريحات متناقضة من البيت الأبيض والخارجية الأمريكية والبنتاغون والمخابرات ومسؤولين في إدارات مختلفة. وكلها رسائل لا تعني ظاهرها، لا تزيد عن التصريح الآنف الذكر، وهو في الحقيقة رسالة غير موجهة للنظام، ولا القصد منه استفزاز شركاء أمريكا العرب والأوربيين، ولا المعارضة السورية، أو إجراء متغيرات في السياسة الأمريكية تجاه الأزمة السورية، أصلاً لا توجد سياسة بخصوصها، إلا إذا اعتبرنا المماطلة سياسة والمراوغة دبلوماسية. الرسالة موجهة لإيران؛ تسهيلاً ودفعاً للاتفاق النووي. كما وتشير إلى أن أمريكا غير ملزمة بشيء تجاه أي جهة، ما تقبله اليوم قد ترفضه غداً، تبعاً لمصالح متبادلة. هذا المثال المتواتر، لا يحتاج إلى دليل أو تأكيد، الدولة العظمى حرة التصرف، لا وعود قاطعة، طالما لا اتفاقات ممهورة. بالتالي لا دبلوماسية ولا سياسة واضحة، وإذا ورد شيء منهما، فليسا سوى دبلوماسية الثرثرة وسياسة القيل والقال، لا يعنيا أكثر من ذلك.
حالياً جميع الرسائل الأمريكية، العلنية والسرية، وجس النبض، ومعها المنفية، وتلك المتناقضة، موجهة إلى إيران. تتحرك السياسة في الخفاء ما يمنحها حرية أكبر في الحركة. أما الدبلوماسية الحقة، فتأخذ مجراها في قنوات سرية، يستحثها الرئيس الأمريكي برسائل المقصود منها لا يعلن، يتوقع من ورائها أن يحقق اختراقاً مثيلاً لنيكسون في زيارته للصين.
أوربا التي لا حول لها ولا قوة، تسير شاءت أو أبت على هدى سياسات الوقت الضائع للأمريكان، في انتظار مآل الاتفاق مع إيران. وريثما يوضع حد للحمى الاوبامية بإغلاق هذا الملف، ربما استعادت الرئاسة الأمريكية رشدها، واعادة النظر في أحوال العالم، وليس من ضمنها الأزمة السورية، الورقة السورية ضحي بها على المذبح النووي.
إيران تحسن التصرف، تسارع في جميع الحالات، وتترجم التصريحات تقدماً على الجبهات الأربع، حسب مردوها الأوفى، والنتيجة واحدة، إن كانت إيجابية أو سلبية، بعدما حققت تواجداً فعالاً على الأرض على الارض، متوخية الظهور كأكبر قوة مؤثرة في المنطقة، ما شكل اقناعاً للداخل الإيراني، فانتصاراتها أعادت بريق امجادها التليدة، ما يؤهلها للزمن الامبراطوري… هل هذا يضع المنطقة أمام الأمر الواقع؟
الجريمة التي ارتكبتها إيران في محاولات السيطرة على المنطقة، كانت في تأسيس حرب كبرى بين المذاهب، ما يسهم في تمزيق الإسلام أكثر مما هو ممزق، ووضعت العالم الإسلامي في خندقين، قرباناً لإمبراطورية الوهم لا الحقيقة. هذا هو الأمر الواقع.
هذه الصورة، تقول إن سورية مسؤولية السوريين وحدهم، والأمل لا يرتجى من النظام، بعدما أخذ على عاتقه محاربة الشعب بجيش الشعب، بمساعدة روسيا. وكانت إيران العامل الأكبر في تأجيج الأزمة السورية، والأشد قسوة في القتل النشط للسوريين.
اليوم السؤال لجميع السوريين الذين يقاتلون من أجل سورية حرة، والذين يقاتلون دفاعاً عن النظام، أي سورية تريدون؟ هل تريدون سورية “الأمر الواقع” أم سورية دولة مدنية ديمقراطية، يتساوى الجميع فيها أمام القانون؟
يخشى أن الجواب سيتأخر طويلاً، هذا اذا كان ثمة من جواب، أمر السوريين ليس بيدهم.
-
المصدر :
- المدن