تُبدي الصين بين فترة وأخرى، عن رغبتها في مساعدة النظام السوري، وذلك بالمشاركة في إعادة الإعمار. وعندما بدا أن الإعمار سيتأخر، وربما لن يحصل، نظراً للعقوبات والشروط الدولية؛ لم تتردد، وعاودت الإعلان عن وقوفها إلى جانب النظام.

منذ بداية الحرب السورية، لم تقصر الصين مع الروس بالتلويح بالفيتو في مجلس الأمن، مؤخرًا هنأت الأسد بالفوز في الانتخابات، ووصفت العلاقة بينهما بالجيدة، والرئيس بالصديق الوفي، مع الوعد بتقديم مساعدات. لا تترك الصين فرصة إلا وتومئ إلى استعدادها لدعم النظام، والمقابل معروف، السعي الدؤوب للاستحواذ على أنظمة دكتاتورية مهلهلة، مستغلة ما تعانيه من ضائقات اقتصادية، فترتبط معها بتحالفات تحت عنوان الصداقة.

قصة تعاون الصين مع الأنظمة الدكتاتورية تبدو طبيعية، فهي دولة لا تهتم كثيراً بحقوق الإنسان، عندما كانت دول العالم تستنكر قتل النظام للشعب السوري وتشريد الملايين، كانت الصين ترسل إشارات مطمئنة له بالدفاع عما يرتكبه من جرائم.

إن حاجة النظام للصين سوف تتزايد بعدما استتب الجزء الأكبر من البلاد له، وباتت المهام المترتبة على عاتقه ليست قليلة، ولا نعني الاقتصادية، لأن هذه الأعباء تقع على عاتق الشعب، فهو الذي يتحملها، وليست الرئاسة والمسؤولين وأثرياء الحرب، هؤلاء لا يجوعون ولا يبردون، وحده الشعب يجوع ويبرد ويتشرد ويعاني من الغلاء، عقابًا على مساندته الثورة، ألم يطالب بالحرية؟ هذه هي الحرية.. هذا ما يتشدق به المسؤولون.

حاجة النظام للصين المشاركة في تأهيله للعودة إلى المجتمع الدولي؛ لن تدّخر الصين جهداً في هذه العودة. أما لماذا يلجأ النظام إليها، فلأنه سيقتدي بها، فالصين تقدم مثالًا مستقبليًا مأمونًا، فريدًا من نوعه، يستحق أن يكون بوصلة له، ريثما يحتذى. فأزمات ما بعد النصر، بدأت تكتسب الأولوية، ويوفر النموذج الصيني حلولًا ناجعة لها. إذا كانت قد نجحت لديهم فلا شك، ستنجح في سوريا، خاصة أن الشقة بين النظامين ليست واسعة بقدر ما هي متقاربة، وأحيانًا إلى حد التطابق. فمن ناحية احتكار السياسة، فحزب البعث يكافئ الحزب الشيوعي الصيني، وإن كان كلاهما شكليان، ففي الصين مجموعة صغيرة متماسكة تتحكم بالسياسة، وربما شخص واحد، فالصين ما زالت أحجية. أما في سوريا، فالعائلة تدير سياسة البلد، بضعة أفراد فقط، والأصح واحد وربما اثنان، بعدما ضاقت الدائرة. بينما العائلة في أرجاء البلاد تأتمر بتوجيهات القصر الجمهوري مع بعض الاستقلالية بتصنيع الكبتاجون، وممارسة التهريب، ولا يستبعد الخطف وطلب الفدية، لتمويل بذخ وجاهة العائلة المرفهة بالسيارات الحديثة، وإن بات عليها أن تدفع حصة للمركز من تجاراتها، ومما تسطو عليه.

النظام السوري لا يشكو من التعقيدات الإيديولوجية، مجرد إجراء بعض التعديلات على إيديولوجية لا وجود لها، فلا اشتراكية ولا حرية ولا وحدة، بعدما أصبحت صمودًا وتصديًا وممانعة ومقاومة

بالنسبة للإيديولوجية، لا تحتاج إلى تلفيق، فالصين ألغت الشيوعية وتحولت إلى الرأسمالية، مع الإبقاء عليها، مع أن ماوتسي تونغ يبدو كأنه ما زال حيًا، والكتاب الأحمر ما زال أحمر، لكن في المتحف. اختطت الصين شيوعية بلا شيوعية، فعاش الشعب في رفاه، شركات ضخمة وأبنية ضخمة واستثمارات ضخمة وصناعات ضخمة، إنها الصين بسكانها المليار والأربعمئة مليون، استعادت أنفاسها وتخلصت من البؤس، لكن مكممة الفم. حسنًا لماذا الكلام ما دامت البطون ممتلئة؟ هذا ما يُزرع في الصين، ترى ماذا سيكون الحصاد؟

أما النظام السوري، فلا يشكو من التعقيدات الإيديولوجية، مجرد إجراء بعض التعديلات على إيديولوجية لا وجود لها، فلا اشتراكية ولا حرية ولا وحدة، بعدما أصبحت صمودًا وتصديًا وممانعة ومقاومة، وهي مجرد شعارات لم تتحقق، بقيت هكذا ترفرف في العالي. تم تحت ظلالها قتل الشعب السوري، فكانت إيديولوجية بناءة.

يظهر التقارب بين الإيديولوجيتين في الاحتفالات المذهلة في الصين، فالاستعراضات الهائلة من حيث عدد الجنود بصفوفهم المتراصة، وضربات أقدامهم تزلزل الأرض، وذلك التناسق البديع، والآليات العسكرية حاملات الصواريخ، تبدو وكأن الصين مقبلة على احتلال العالم، بينما هي لغزو تايوان واحتلاله، ناهيك عن استعراضات الألعاب الرياضية، أو الحفلات الفولكلورية التي تبلغ حد الروعة.

بينما في سوريا، تأخذ هذه المظاهر السعيدة أبعادها في احتفالات تكاد أحيانا أن تكون يومية، فالانتخابات ومباريات كرة القدم وخطابات الرئيس وهزيمة إسرائيل حسب تهديدات الناطق الرسمي، وإلقاء البراميل المتفجرة فوق مستشفى في المناطق المحررة، وتهجير أهالي الغوطة، أو زيجات أولاد المسؤولين، هذا وغيره يستلزم صور الرئيس ومواكب سيارات وزمامير ودبكة ومشاركة ممثلين وممثلات.. كل هذه المظاهر لا تأخذ طابع الإبهار، عادة الإزعاج.

كذلك الدين، لا يشكل مشكلة في الصين، ففي زمن الثورة الثقافية تعرض كونفوشيوس وبوذا للاضطهاد، مع الرأسمالية أصبحا مصدرًا للابتعاد عن السياسة والالتجاء إلى القيم المتوارثة. بيد أن الدين في سوريا، لم يدعه النظام عرضة للخلافات، احتكره لحساب المجلس الفقهي، يقرر ماذا يكون الدين القادم لسوريا ممزقة؟

التقارب الصيني السوري، ولو كان تقاربًا بين دولة قوية، ودولة ضعيفة، يبشر بالشر، سيتعلم النظام ما ينقصه، والعمل على استيراد نظام مراقبة دقيق استطاع السيطرة على بلد المليار والأربعمئة مليون، لا يفلت منه شخص يخالف حتى مواعيد رمي القمامة