تشكل عودة السياسة إلى مجريات الحدث السوري، ملامح المشهد القادم للأزمة السورية، قد يطول أو يقصر، هذا لا يهم حالياً سوى الروس، وفيما لو استمر زخم ما يروج عن مبادرتهم بالدعوة الى موسكو1، فالمتوقع أن تأخذ مجراها، إلى أين؟ التوقعات مبكرة، فالمبادرة لم تتبلور حتى الآن، بانتظار عرضها على النظام لتأخذ شكلها النهائي. تتضمن الخطة تشكيل حكومة وحدة وطنية تترأسها شخصية معارضة، وتتألف من شخصيات من السلطة والمعارضة، وتتوزع صلاحيات رئيس الجمهورية بين الرئيس الحالي وبين رئيس الحكومة، الهدف أن يحس السوريون على اختلافهم أنها سلطة تمثلهم، بوسعها مواجهة ما يتهدد وحدة البلاد في المرحلة القادمة.

تطمح روسيا من خلال المبادرة إلى استعادة دورها الإقليمي، بعد تهميشها، إثر ظهور “داعش” ودخول أمريكا إلى المنطقة. نجاح المبادرة يفترض مقدرة روسيا على إقناع النظام على قبولها. هل تستطيع؟ كيفما كانت بنود المبادرة، فهي تعني الانتقاص من مصالح النظام في مواجهة مصالح موسكو. وامتناع النظام عن الموافقة عليها، قد يؤدي إلى خروج روسيا من المنطقة، ما يرشح الدور الأمريكي إلى أن يكون البديل الأوحد. فالاتفاق الحاصل بين أمريكا وإيران في العراق ضد “داعش”، قد يمتد فيما بعد إلى اتفاق حول سورية من دون روسيا.

ليس من المستبعد على النظام ألا يرضى بها، المؤشرات تدل أن رسائله إلى الأمريكان مستمرة معولاً على أن مكافحة الإرهاب لا تتم من دون تعاونه معهم. الأزمة لا تحتاج إلى أكثر من مصالحات مناطقية. لذلك وجدت مقترحات المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا التي تدعو إلى «تجميد» القتال في حلب قبولاً لكن بشروط سورية، ليست أقل من استسلام المقاتلين، رغم أن مقترحاته غير كافية للحل لصعوبة الحصول على قبول المعارضة بتجميد القتال واحترام النظام بالمقابل لشروطها. في هذا السياق، تحاول موسكو احتواء دي ميستورا في مبادرتها عوضاً عن أن يكون بديلها، ودعمها باستقدام وفد من الضباط والشخصيات السورية المعارضة، يرضون بما ترتأيه حول طريقة حل عقدة مصير الأسد، من دون ازعاج النظام.

ترى هل هي الفرصة الأخيرة للروس في سورية لإنقاذ مصالحهم؟ ربما، في حال فشلت، قد تخسر موقعها في المنطقة. الواقع الحالي كما يبدو يشجع الروس على استغلاله، أوباما يحاذر التورط في سوريا، لاسيما وهو ماض في استراتيجيته التي انجلت عن التعاون مع إيران، بهدف توريط المنطقة في الحروب بدلاً من انهائها، في رحلة غموض أخرى، تتوج بالفوز باتفاق نووي مع إيران، ما يمهد لتحقيق وعده قبل أن تنتهي ولايته بإخراج أمريكا من حروبها.

الروس طموحون جدا وإن تأخرت كثيراً، وتحتاج إلى بذل جهود جبارة، لكن كما يبدو حتى الآن ستصطدم تمنياتهم بالجدار السوري المدعوم من إيران. هل تستطيع روسيا أن تشتبك مع الأسد لإنجاح تسوية شرطها المؤجل والنهائي إقصاؤه، وقبوله بها يعني خسارة حلفائه الإيرانيين نفوذهم الشامل في سورية؟

أشد ما سوف يواجه جميع الأطراف في إرساء تسوية سياسية، الكارثة على الأرض في تجميع هذا الركام من الخراب البشري والمادي، ولا تُستثنى الجغرافيا، وضع من الصعب معالجته بعدما اختطفت “داعش” و”جبهة النصرة” المعارضة المسلحة وأصبحتا الأقوى تمثيلاً لها بإظهارهما القدرة على عدم التراجع عن أهدافهما. من الجانب الآخر لا يمكن قبول الجيش النظامي الممثل بالبوط العسكري ومعه الأجهزة الأمنية بالمبادرة الروسية، انهم الجزء الأكثر تصلباً في النظام، ولا يمكن التضحية بهم، الأجهزة بالذات تعاملت بالرصاص مع مظاهرات آذار 2011 التي لم تطلب أكثر من الكرامة. اليوم بعدما أصبح للنظام سند في مقارعة الإرهاب، لن تذهب نظرياتها التي ابتدعها سدى، بعدما تحققت على الأرض.

السؤال المجدي، هل يستطيع الروس انقاذ سورية بينما روسيا بحاجة إلى من ينقذها من ضائقتها الاقتصادية التي بدأت مع انخفاض أسعار البترول؟ ثم السؤال الأكثر جدوى، هل الروس الذين أسهموا في المأساة السورية عن عمد وتصميم يرغبون فعلاً في اصلاح ما دمروه؟ أما السؤال الذي لا ينبغي نسيانه، هل لدى الروس مقدار كاف من النزاهة يعوض ما مارسوه من تضليل طوال الأزمة؟