قد يتوجب على العرب أن يعيدوا ترجمة الكثير من كتب الأدب التي تُنقل اليوم إلى العربية من دون تدقيق ولا مراجعة، وتمتلئ بالأخطاء من الإملائية إلى المطبعية، لا لسبب سوى التنافس والسبق في النشر والربح السريع. أكثر ما تجلّت في ترجمة الرواية، التي تشهد إقبالاً لافتاً منذ سنوات، وهي ظاهرة إيجابية بحد ذاتها، أن يلاقي الجنس الروائي اهتماماً ملحوظاً من القراء، أحدث تقدماً مرموقاً في الحراك الروائي شجّعت عليه الجوائز أيضاً.
وبلا شك سيكون في انتقاد ما يشوب الترجمة -ومثلها الجوائز- من أخطاء واعوجاج، تصويب لما ينبغي ألا يخسره الأدب بعدما ظفر به.
في القرن السابع عشر، هيمنت اللغة الفرنسية على أوروبا، وأصبحت لغة الثقافة. في تلك الفترة اطلع الفرنسيون على الفكر الإنكليزي واستلفت اهتمامهم، فانكبوا على ترجمة أفضل ما أنتجه العقل الإنكليزي في التاريخ والفلسفة والاجتماع؛ أدخلوا عليه تعديلات كانت إضافات وشروحات، وحذوفات وتعليقات، ما شكّل إعادة صياغة تساعد العقل الفرنسي على تقبله.
كانت حججهم أن الإنكليز غير واضحين، فوضحوا ما اعتور مقاصدهم من التباس. ثم إن الإنكليز لا يتقيّدون بقوانين المنطق الصوري، فأدخلوا النظام إلى أفكارهم. وأنهم أفظاظ، فوجب تهذيبهم…. لإرضاء الذوق الفرنسي ببعض التجميل، لئلا ينفر القرّاء. كانت هذه -برأي المترجمين الفرنسيين- تحسينات أضافت إلى النصوص ما ينقصها، وأصلحتها.
” ما حظيت به العلوم الإنسانية من رعاية، لم يحظ به الأدب”
حسب زعم الفرنسيين، أنهم قدموا خدمة بالتعريف بأفضل ما أنتجه المفكرون الإنكليز. مع هذا سيضطرون في ما بعد إلى إعادة ترجمة الكثير مما ترجم سابقاً. ظنّهم أخطأ، لم يفعلوا حسنا مع ثقافة أعجبوا بها.
لا تفتقد اللغة العربية إلى الدقة، ولا تعجزها روايات مهما بلغت من العمق والإبهار اللغوي. فللعربية تجارب ناجحة في الترجمة، وإذا كانت قد حظيت من قبل بمترجمين حملوا على عاتقهم ترجمة الروايات الكبرى من الأدب العالمي، فليس لأنهم أتقنوا اللغة الأجنبية فقط، بل لإتقانهم العربية أيضاً. وما تعثر وارتباك الترجمة إلا لافتقار المترجم الى الدراية باللغة العربية، ما ينعكس تشوّشاً وتخبطاً وغموضاً بلا معنى. ما يؤدي الى افتقاد الأمانة في النقل.
ولئلا نذهب بعيداً، في السنوات القليلة المنصرمة ظهرت دور نشر تولت نشر الفكر الإنساني من فلسفة وعلم اجتماع وتاريخ وسياسة… أهم ما يميّزها اعتمادها المعايير العلمية من ناحية الاختصاص والدقة والمراجعة. محط القول إن ما حظيت به العلوم الإنسانية من رعاية، لم يحظ به الأدب، وكأن ترجمة الروايات رفاهية.
لا ينفع أي دفاع عن عدم الأمانة، ولا يجدي أي تبرير، حتى لو كان من باب مراعاة التذوّق، فما بالنا بالضعف والقصور والركاكة… مخالفة ترقى إلى التزوير. فالترجمة ليست رفاهية، بل حاجة. وليست الرواية للتسلية، إنها متعة ضرورية، لا يباح التهاون فيها، فهي حوار مع العالم، وتعرّف إلى الحياة؛ التواصل عملية إثراء، يُخشى تبديدها.
-
المصدر :
- العربي الجديد