في مسيرة حياة رضوى عاشور الكثير من المحطات، لا تبارحها إلا لتعود إليها، فكانت ناقدة أدبية، وقاصة، وروائية، وكاتبة سيرة ذاتية. مثقفة رصينة، مثلت طرازاً نادراً من المثقف العربي النقدي، فالجامعية الحائزة على الماجستر في الأدب المقارن من جامعة القاهرة، والدكتوراه من جامعة ماساشوستس بالولايات المتحدة. ثم أستاذة الأدب الإنجليزي. والناشطة في الحياة الثقافية العربية؛ دخلت معمعة الحياة العامة مناضلة مدافعة عن حقّ الإنسان في الحرية والكرامة.

كانت مثابرة على الفعل الأهلي، فانخرطت في العديد من الجمعيات المدنية؛ لجنة الدفاع عن الثقافة القومية، اللجنة الوطنية لمقاومة الصهيونية في الجامعات المصرية، مجموعة 9 مارس لاستقلال الجامعات: “تنبهت – وكنت في الرابعة والثلاثين من عمري – أن القبول بالنسبي أكثر حكمة من التعلق بالمطلق، وأن الوقت حان للتحرر من ذلك الشعور بأن عليَّ أن آتي بما لم يأتِ به الأوائل أو أدير ظهري خوفاً وكبرياءً”.

لكن “هذا القلب الذي يطلب فجأة ما لا ينال… غريب هذا القلب، غريب”. وقد طلبت رضوى الكثير، وتطلّبت الكثير، وظفرت بالكثير أيضاً. كانت من الجيل الذي تفتّح في الزمن الناصري، زمن صعود حركات التحرر في العالم، في ما سمّي الزمن الجميل، زمن عبد الناصر وأم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم.

” في أزمنة مصر المتلاحقة عاشت أكثر من زمن واحد “

عاشت أكثر من زمن واحد، الماضي والحاضر وشارفت على المستقبل. عاشت أزمنة مصر المتلاحقة، عبد الناصر، السادات، مبارك، مرسي، السيسي… وكانت الكتابة لتحدي “الموت بأقنعته المتعددة في البيت والشارع والمدرسة، أعني الوأد واغتيال الإمكانية”.

وعاشت الزمن الفلسطيني في روايتها “الطنطورية”، والزمن الأندلسي في روايتها “ثلاثية غرناطة”. كانت متطلّبة في استعادة التاريخ، واسترجاع الماضي ومراجعته، في تصفية الحساب مع آليات القمع والاستبداد، بفضحها والسعي إلى التأثير فيها والتغيير باتجاه واقع أرق. ولسوف تعاني، مما عانى منه الكثيرون من جيلها.

شخصت في “ثلاثية غرناطة” أحد أسباب هزائمنا: “قادتنا كانوا أصغر منا، كنا أكبر وأعفى وأقدر، لكنهم كانوا القادة، انكسروا فانكسرنا”، لكن كان هناك “احتمال آخر لتتويج مسعانا بغير الهزيمة، ما دمنا قررنا أننا لن نموت قبل أن نحاول أن نحيا”.

‏ثورة 25 يناير كانت أملها، عبّرت بكلمات بسيطة عن فرحتها بها: الثورة أن نحترم الناس، هؤلاء الشجعان الذين قدموا أولادهم وقدموا أنفسهم بصدور مفتوحة عشان إحنا نعيش أفضل.

رحلت رضوى رغم انكسار الثورة حالمة بوطن تخيّلته حراً، وعملت جاهدة من أجل تحريره. “لكل أمر تحت السماوات وقت، للولادة وقت، وللموت وقت”، كتبت رضوى.