أثار التدفق البحري والجوي المتواصل للأسلحة الروسية؛ معدات وجنود وآليات إلى سورية، لدى بعض الأوساط الحكومية الأوربية تكهنات متفائلة عن احتمال أن تكون روسيا وجدت لجيشها دوراً في الحلف ضد الإرهاب، منعاً لتمدد التطرف الإسلامي إلى أراضيها، ما يؤكد إصرار موسكو على مقاتلة الإسلاميين الروس في سورية. في الوقت نفسه أثارت بعض التشاؤم من أنها بالتشارك مع إيران تساندان النظام بهدف تحسين موقعه التفاوضي، قبل عقد اجتماع جنيف 3 ما يضمن بقاء الأسد لما بعد المرحلة الانتقالية مع الوعد بانتخابات رئاسية من دون مراقبة دولية، وإطالة المفاوضات بدلا من التعجيل بها. المهم أن الأزمة السورية باتت على عاتق الروس.

مقدمات النشاطً الروسي في سوريا، تشير إلى ما هو أوسع من تلك التكهنات التي تصب في طاحونة أوربا التي تجهد في اقتفاء خطى أوباما في تلزيم مصير سورية إلى الروس مع بعض التعديلات لإرضاء أصدقائها العرب. أوربا تفتقد الإرادة السياسية التي لابد أن تكون أمريكية، ليس بوسعها القيام بما تعجز عنه. فالاندفاعة الروسية كانت مذهلة في توقيتها وتسارعها، فخلال بضعة ايام تم تعزيز مطار اللاذقية بمدرج ملحق، ومهبط للطائرات الهليكوبتر، وأجريت تغييرات في ملاجئ الطائرات، فتحول من مطار مدني إلى قاعدة عسكرية، إضافة إلى قاعدة جوية قرب دمشق يقومون باستخدامها. وإقامة مئات المباني الجاهزة، مساكن لأكثر من ألفي عسكري روسي. كذلك الوصول الفعلي لدبابات وأعداد بالمئات من جنود القوات الخاصة الروسية إلى القاعدة الجوية ونقل طائرات لتجميعها، ووصول قطع مدفعية حديثة بأطقمها …. تدل هذه الحركة الشاملة إلى أن هناك ما سوف يعقبها، وان الروس قرروا الانخراط في الحرب السورية بالتحكم فيها.

المفاجأة الروسية لم تكن متوقعة بهذا الشكل أو الحجم. اثارت التساؤلات في أمريكا وأوربا رغم الرضا عنها، وربما التنسيق معها، حسب بعض المحللين، وهو ما عُبر عنه بالقلق، الممارسة التي أصبحت طبيعية في ابداء ممانعة عاجزة عن أي فعل، ريثما يفصح الروس عن نواياهم بشكل واضح. وإذا كان الفرنسيون والبريطانيون أعلنوا عن شن غارات جوية على “داعش” كتأكيد على عدم استحواذ الروس على الساحة السورية بحجة أن غاراتهم الجوية على “داعش”، تهدف إلى المساعدة على حل أزمة تدفق اللاجئين، بما يخفف على المجتمعات الأوربية، رغم أن الغارات الأمريكية التي سبقت لم تثبت جدواها طوال عام كامل، مثلما لن تحل أزمة اللاجئين التي هي نتيجة سياسة التهجير التي اتبعها النظام السوري مع الحاضنة الشعبية للمعارضة بأنواعها، بدليل ان اللجوء بدأ قبل ظهور “داعش”.

أما الغضبة العارمة في المنطقة العربية، فلا شيء يبررها من الذين راهنوا على تحويل الموقف الروسي من النظام بمحاولات إقناعه أن مصالحه مع الشعب السوري والعرب لا مع النظام وإيران، متجاهلين أن روسيا وإيران كانتا جزءاً من الأزمة السورية، لولاهما لوجدت الأزمة حلاً لها قبل أن تكمل عامها الأول.

يعمل التدخل الروسي على تجديد المعضلة السورية على نحو أسوأ، فالنظام الذي لم يتنازل لإنهاء محنة شعبه، ازداد صلفه وتعنته. طالما الدعم يأتيه بسخاء، وبشكل فعال، حتى أن واشنطن بعد القلق، وسلسلة من التصريحات حذرت فيها من أن الدعم العسكري الروسي من شأنه أن يزيد من حالة عدم الاستقرار في المنطقة، وما تشكله طائرات الشحن الروسية في سماء سوريا من تعقيد مهمة التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامي. جاهرت أخيراً بفشلها وأبدت استعدادها للبدء بلقاءات عسكرية للتنسيق مع الروس.

الموقف الأمريكي الأخير لم يتغير، تفويض الروس بحل الأزمة ما زال سارياً. لن يكرر الرئيس الأمريكي الخط الأحمر الذي أحرجه، وأملى عليه التلويح بمعاقبة النظام ولو بضربة شكلية، أنقذه الروس منها، الطبيعي الآن ألا يتحرش بالروس بعدما أصبحت لهم قاعدة عسكرية ومطارات وثكنات وقوات على الأرض السورية.

تيئيس السوريين ماض قدماً إلى الأمام، نحو تركيعهم، أو الهجرة واللجوء، او الالتحاق بداعش والنصرة. الروس والإيرانيون والغرب منحهم خيارات لا تقل الواحدة منها مرارة عن الأخرى، إما التمسك بالقتال، وهو صنو الموت دفاعاً عن أنفسهم وبيوتهم، ولا يزيد أو ينقص عن العمليات الانتحارية، أو الموت غرقاً، وربما الوصول إلى بلاد الأحلام مع الاهانات والشتائم والركلات والضرب بالعصي والهراوات. هذا إذا واتاهم الحظ، الذي لم يصادفهم إلا نادراً.

مازال للآمال المخادعة رجاء، وهي ذريعة لنكذب على أنفسنا، فالعالم بجميع توجهاته مع السوريين أو ضدهم، يأمل بإنهاء الأزمة السورية على حسابهم، لأنهم الضحايا، كأن قدر هذه البلدان أن تستعمر من قبل تحت ذريعة التحضر، واليوم بذريعة الصداقة الروسية، أو المقاومة الإيرانية، غير أن للتاريخ القريب كلمة توازي القدر، ما زالت طرية في ذاكرة الشعوب، سجلت في فيتنام وأفغانستان.

خيار السوريين لن يكون اليأس.