لا شك في أن الوضع الأخير للأزمة السورية، هو الأسوأ على الإطلاق منذ عامين ونصف، لا يبشر بخير أو بحل، ما سوف ينعكس على الأهالي المدنيين بالدرجة الأولى. فالوضع الداخلي السوري في المدن والأرياف، بات بأمسّ الحاجة إلى ضبطه والتحكم فيه، لتخفيف الكلفة الإنسانية على الناس، من حيث تأمين الإغاثة الغذائية، فالحصار المتبادل يمنع وصولها إلى الأهالي ويهدّدهم بالموت جوعاً، وهناك حالات رصدت تسجل ما آلت اليه أحوال البلدات والمناطق المحاصرة.

كما يتحمّل المدنيون القسم الأعظم من الخسائر البشرية، بسبب التداخل الحاصل على جبهات لا تستثني الأحياء والشوارع والمدارس والبيوت والمساجد من القصف. فالحرب أمست روتيناً يومياً غير مسيطر عليها، ولاعلى أطرافها، فالنظام يعتقد أنه على شفا الانتصار، إن لم يكن قد انتصر حسب تصريحات كبار المسؤولين. أما المعارضة، فتعتقد أن النصر في النهاية حليف الثورة. لكن النصر الموعود، قبل أن يؤمل به، إذا كنا واقعيين، تهدّده خلافات أحزاب المعارضة وانقساماتها ونزاعاتها الداخلية، ومثلها تشرذم تشكيلات الكتائب المقاتلة، ولا يعتقد أن جامعاً بات يجمع هؤلاء أو أولئك، والاتفاق الوحيد الحاصل بينهم هو على عدم الاتفاق. وليس من المستبعد حدوث اشتباكات بين كتائب الجيش الحرّ وداعش والنصرة، تكون إيذاناً بحرب ضروس، ما يؤدي إلى توسيع رقعة القتال في القرى والأرياف. عدا الخلافات المتوقعة بين حماة الشريعة وحماة العلمانية، والتي بدأت تطلّ باشتباكات محدودة.

الملاحظ أن أي طرف، سواء النظام أو التشكيلات الإسلامية أو كتائب الجيش الحر، لا يأخذ بالحسبان المآسي المتولدة على الإصرار على عدم وضع حدود لصراعات أساسية أو جانبية سوف تطول، يدفع المدنيون أثمانها الباهظة، بتحييد مناطق آمنة للأهالي والنازحين، وهذا ما يبدو مستحيلاً مادام كل طرف يعتقد أن مواقع الطرف الآخر مواقع عدوة برمتها، الهدف احتلالها، أو تنظيفها، أو القضاء على أي تحرك مشبوه في داخلها، بالقصف وكثافة النيران.

أما حال الخارج، فليس أقل لا مبالاة بالمدنيين، فالأمريكان بصفقة الكيميائي مع الروس أخيراً، والتقارب مع الإيرانيين بمشروع الحوار حول برنامجهم النووي، وضعوا الأزمة السورية على لائحة الانتظار. أقدم الرئيس الأمريكي على هذه الخطوة إرضاء للإسرائيليين، وتمت على حساب السوريين. والروس على منوال شبيه، يحققون المكاسب من وراء الأزمة السورية، إقليمياً ودولياً، سياسياً وعسكرياً، وقد أخذتهم الخيلاء بعودتهم بقوة طرفاً في التوازنات العالمية، وبالتالي لن يتراجعوا عما حققوه. وأثبت النظام الدولي أنه بحاجة إلى الروس، لئلا يتعثر مجلس الأمن في القرن الحالي، بحرب باردة غير مضبوطة، تضع العالم على حافة القلق، أو بما يشبهها، بعدما علمتهم الأزمة السورية، تبريد الحروب وتسخينها، طبقاً لآلية الشد والرخي، ما يؤدي بالشعوب في النهاية إلى القبول بالأمر الواقع.

بينما الأوربيون، مرتاحون إلى وضعهم المشلول، تابعون أوفياء للأمريكان، يبالغون بالجعجعة، لكن من دون التورط بأي عمل من دون الدعم الأمريكي، ومع هذا يجازفون دبلوماسياً وسياسياً، ثم يضطرون للتراجع دونما اعتذار، في ساحة باتت مفتوحة لانتصارات وهزائم لا تزيد عن تصريحات وتصريحات معاكسة.

أما الإيرانيون، فالمكاسب الموعودون بها قادمة، بالإضافة إلى ما حققوه، العقوبات الاقتصادية في طريقها إلى الإلغاء، فيما لو نجحوا في التعامل مع الأمريكان التواقين إلى التخلص من متاعب الملف النووي، ما يحفظ ماء وجوههم، ويحفظ للإيرانيين موقعهم على الخريطة النووية العالمية دون كثير أضرار، لن تكون فيه سورية أكثر من ورقة ملحقة بالمفاوضات النووية، ما يحقق مكسباً آخر بات مفروغاً منه؛ إيران قوة إقليمية كبرى.

في حين يبدو المجتمع الدولي أوفرهم حظاً، ذرائعه حاضرة، وفر مساعدات إنسانية للاجئين السوريين، وتهديدات للنظام بمحاكمات دولية، وإن لم تثمر. ودعوات إلى مؤتمر جنيف 2، تؤجل من شهر إلى بضعة أشهر، وبقاء المساعدات الإغاثية، صحيح أنها في تناقص، لكنها مستمرة، وفي حال حصل تقصير فاضح، فالمسؤولية تقع على الدول المانحة، أصدقاء سورية الأوفياء جداً.

وطالما أن الأزمة السورية لا تقلق الضمائر، فمن الممكن أن تستمر عاماً آخر، وربما أكثر، تراوح في مكانها من خلال خريطة طريق مطموسة المعالم . وهكذا تذهب سورية إلى المجهول.